تعالى ـ : (وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً) [التوبة : ٤٦] أمر الله ـ عزوجل ـ بالاستعداد (١) للعدو ، والإعداد له ، وألا يوكل الأمر في ذلك إلى الله دون الإعداد للعدو.
وقيل : لقاؤه ، وإن كان يقدر [على](٢) نصر أوليائه وقهر عدوه من غير الأمر بالقتال معهم ؛ إذ في ذلك محنة امتحنهم بها ؛ فعلى ذلك أمرهم بالإعداد للعدو ، وأخذ الحذر لهم ، وذلك أسباب تعد قبل لقائهم إياه.
وفيه دلالة تعلم آداب الحرب قبل لقاء العدو ؛ ليحترس منه.
وفيه دلالة إباحة الكسب ؛ لأنه فرض عليهم الجهاد ، وأمر بالإعداد له ؛ ليحترس من العدو ، ولا يوصل إلى ذلك إلا بالكسب ، والله أعلم.
وفي قوله ـ أيضا ـ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ) أي : ما تحذرون به عدوكم ، وما تحذرونه وجوه : منها : الأسلحة ، ومنها : البنيان ، ومنها : النّكر (٣) عند الالتقاء ، والثبات ، وذكر الله ـ عزوجل ـ كما قال : (فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً) [الأنفال : ٤٥]
وفي هذا الأمر بالإعداد للعدو قبل اللقاء ، وأيد ذلك قوله ـ عزوجل ـ : (وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً) [التوبة : ٤٦] ، وكذلك قوله : (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ) [الأنفال : ٦٠] فيكون الأمر بالإعداد قبل وقت الحاجة دليل جواز الكسب لحاجات تجددت (٤) ، وأن الاستعداد للحاجات ليس برغبة في الدنيا ؛ إذ لم يكن الإعداد فشل ولا ترك التوكل ، على أن الجوع وحاجات النفس تعين وتلقى العدو ، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً)(٥) قيل : الثبات : هو السرايا (٦)(أَوِ
__________________
(١) في ب : بالاعتداد.
(٢) سقط من ب.
(٣) في ب : النكار.
(٤) في ب : تحدث.
(٥) قال القاسمي (٥ / ٣٠٤) : قال في الإكليل : فيه الأمر باتخاذ السلاح ، وأنه لا ينافي التوكل ، قال بعض المفسرين : دلت الآية على وجوب الجهاد ، وعلى استعمال الحذر ، وهو الحزم من العدو ، وترك التفريط ، وكذلك ما يحذرونه وهو استعمال السلاح على أحد التفسيرين فتكون الرياضة بالمسابقة والرهان في الخيل ، من أعمال الجهاد فَانْفِرُوا [النساء : ٧١] أي : اخرجوا إلى الجهاد. ثُباتٍ [النساء : ٧١] جمع «ثبة» بمعنى الجماعة.
قال القرطبي (٥ / ١٧٨) : ذكر ابن خويزمنداد : وقيل إن هذه الآية منسوخة بقوله ـ تعالى ـ : (انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً) [التوبة : ٤١] وبقوله : (إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ)[التوبة : ٣٩] ؛ ولأن يكون (انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً) منسوخا بقوله : (فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً)[النساء : ٧١] وبقوله : (وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً)[التوبة : ١٢٢] أولى ؛ لأن فرض الجهاد تقرر على الكفاية ، فمتى سد الثغور بعض المسلمين أسقط الفرض عن الباقين ، والصحيح أن الآيتين ـ