وجزعا (١) ، قال : فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «ما لكم؟ وما غيّر وجوهكم ولونكم؟» فقالوا : يا رسول الله ، ما بنا من مرض ولا وجع ، غير أنا إذا لم نرك ولم نلقك اشتقنا إليك ، واستوحشنا وحشة شديدة حتى نلقاك ، فهذا الذي ترى من أجل ذلك ، ونذكر الآخرة فنخاف ألا نراك هناك ؛ فأنزل الله ـ تعالى ـ (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ ...)(٢) الآية.
ويحتمل : أن لم يكن في واحد من ذلك ، ولكن في وجوه آخر.
أحدها : أن اليهود ، وغيرهم من الكفرة ، والذين آذوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأفرطوا في تعنتهم وتمردهم في ترك إجابتهم إياه ، وطاعتهم له ـ ظنوا أنهم وإن أسلموا وأطاعوا الرسول صلىاللهعليهوسلم لم يقبل ذلك منهم توبتهم ، ولم ينزلوا منزلة من لم يؤذه ، ولم يترك طاعته ، فأخبر ـ عزوجل ـ : أنه إذا أطاع الله والرسول فيكون : (مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ) كأن (٣) لم يترك طاعته أبدا ـ والله أعلم ـ كما قال ـ تعالى ـ : (إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ) [الأنفال : ٣٨].
ويحتمل : أن يكون ذلك لما سمعوا أن لكل أحد في الجنة مثل الدنيا فظنوا ألا يكون لهم الاجتماع والالتقاء ؛ لبعد بعضهم من بعض ، فأخبر ـ عزوجل ـ أن يكون لهم الاجتماع ؛ لأن ذلك لهم في الدنيا من أعظم النعم وأجلها.
ويحتمل : أن يكون على الابتداء : أن من أطاع الله ـ تعالى ـ والرسول صلىاللهعليهوسلم فيكون (مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ [مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ)(٤)] في دار واحدة ، لا يكونون في غيرها ؛ فهذه الوجوه كأنها أشبه ـ والله أعلم ـ إذ هم بالطاعة أجابوا ، والله أعلم.
ثم اختلف في (وَالصِّدِّيقِينَ)(٥) ؛ قال بعضهم : أتباع الأنبياء ـ عليهمالسلام ـ
__________________
(١) في ب : وحزنا.
(٢) تقدم.
(٣) في ب : كأنه.
(٤) ما بين المعقوفين سقط من ب.
(٥) قال القاسمي (٥ / ٢٩٧ ـ ٢٩٨) : قال الرازي : للمفسرين في الصديق وجوه : الأول : أن كل من صدق بكل الدين لا يتخالجه فيه شك فهو صديق ، والدليل عليه قوله ـ تعالى ـ : (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ) [الحديد : ١٩].
الثاني : قال قوم : الصديقون أفاضل أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام.
الثالث : أن الصديق اسم لمن سبق إلى تصديق الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ فصار في ذلك قدوة لسائر الناس ، وإذا كان الأمر كذلك ، كان أبو بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ أولى الخلق بهذا الوصف ، ثم جود الرازي الكلام في سبقه ـ رضي الله عنه ـ إلى التصديق ، وفي كونه صار قدوة للناس في ذلك. فانظره.