رسوله محمد صلىاللهعليهوسلم.
وأما بعده فقد
فرغ من جميع أصول الحوادث التي يعلم الله ـ سبحانه وتعالى ـ أنها تقع بيان كفاية ؛ إذ لو لم يبين ذلك القدر لبقي تنازع لا ارتفاع له ، ولا يجوز الحكم ، ولكان لا يعلم
الحادث الذي له أصل يطلب أولا ، وفي ذلك تمكين المعنى الذي يخرج إلى الرسالة مع ما
قد تكلم جميع الصحابة ـ رضوان الله عليهم أجمعين ـ ومن بعدهم إلى اليوم في الحوادث
من غير أن يظهر عن أحد قول بأن هذا هو ما لم ينزل له الأصل ، فصار ذلك إجماعا في
بيان أصول كل حادث ؛ فيجب طلبه في الأصول ، والله أعلم.
والأصل : أنه
فيما يوكل إلى أحد يوكل إلى من يعلم الحكم ويملك إظهاره ، فلو كان للتنازع يجب
الرد إلى الله ـ تعالى ـ وترك الحكم في ذلك بالاجتهاد ؛ فإذا يبطل أن يكون في الرد
إليه علم بحكمه إلا للوقت الذي لا يحتاج إلى الحكم ؛ وهو يوم القيامة ؛ على أنه
معلوم لو كان يرده إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، لكان لا يدعهم على ما هم عليه من التنازع الذي هو أصل
كل شين وفساد ؛ فعلى ذلك فيما يرد إلى الله ، سبحانه وتعالى.
وإذا علم ـ عزوجل ـ بجميع النوازل وبجميع ما بالخلق إليه حاجة فصارت
النوازل كلها مردودات إليه ؛ فيجب أن يكون حكم فيها ؛ إذ قال [الله] ـ عزوجل ـ : (فَحُكْمُهُ إِلَى
اللهِ) [الشورى : ١٠] تعالى ، وإذا لم يحكم فيها لم يصر الحكم إليه ، بل لا حكم
فيه إلى الله ـ تعالى ـ فلما وجب بالذي ذكرت أن يكون ذلك مما تضمنه البيان ـ لزم
الاجتهاد.
ثم لو كان الحق
عند التنازع الظاهر دون أن يطلب ـ على أصح التأويلات ـ دليل ، لكان لا يجوز
التنازع أن يقع ؛ لأن الظاهر قد كان في أيديهم وهو حجة لا يحتمل أن يتركه أحد إلا
بالدليل لو كان حجة ، وكان قد قام الدليل على لزوم العدول عن الظاهر بتأويل جميع
أولي الأمر في ذلك ؛ فثبت أن دليل ذلك مطلوب يوجد ، ويتفقون عليه إذا أنصفوا ،
وأنعموا النظر ، وأعرضوا عن حسن الظن ، ففريق من الأئمة على أن الذي يقوله هؤلاء
يقتضي أحكام الحوادث كلها بيقين ؛ فثبت أن أحكامهم مودعات في المنصوص ؛ فصرن
متعلقات بالمعاني ، لا بالظواهر.
ثم الأصل : أن
العمل بالظواهر في محتمل المعاني ومختلف التأويلات ممّا فيه التنازع
__________________