الرشد ليس ما ذكر ، ولكن ما قيل من العقل والحفظ لماله ، والإصلاح فيها.
وروى عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ في قوله ـ تعالى ـ : (فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً) قال : إذا أدرك بحلم وعقل ووقار (١).
وهو يقول ـ أيضا ـ في قوله ـ تعالى ـ : (مِنْهُمْ رُشْداً) : إن الله ـ سبحانه وتعالى ـ يقول : اختبروا اليتامى من عند الحلم ، فإن عرفتم منهم رشدا في حالهم ، والإصلاح في أموالهم ـ : (فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ).
وفي حرف ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ : «فإن أحسستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم» (٢).
وفي حرف حفصة : «وابتلوا اليتامى في أموالهم حتى إذا بلغوا النكاح بعد كبرهم».
ثم لا يخلو منع الأموال منهم من أوجه ثلاثة :
إما أن يمنع ؛ لفرط البذل والإنفاق ، جودا وسخاوة ، وحسن الظن بالله أنه ـ عزوجل ـ يرزقهم ويعطيهم خلف نفقتهم ، وهذا (٣) لا يحتمل ؛ لأن هذا من أخلاق الأنبياء ـ صلى الله عليهم وسلم ـ وسيرتهم ؛ فلا يحتمل النهي عن ذلك.
أو يمنع ؛ لغلبة شهوتهم ، ولقضاء وطرهم وحاجتهم ، ينفقون الأموال ؛ ليصلوا إلى ذلك ، فإنهم إن منعوا عن أموالهم يتناولوا من أموال غيرهم ، ويتعاطوا ما لا يحل ولا يحسن ؛ فلا يحتمل أن يمنعوا لذلك.
أو أن يمنع عنهم الأموال ؛ لآفة في عقولهم (٤) ، ونقص في لبّهم ، فإن كان لهذا ما يمنع أموالهم عنهم ؛ فيجب أن يمنع أبدا ، لا وقت في ذلك ولا مدة إلا بعد ارتفاع ذلك وزواله عنهم ، وهو الوجه ، يمنع منه حتى يؤنس منه الرشد.
ثم جعل إدراكه وبلوغه بالاحتلام ؛ لأن كل جارحة من جوارح الإنسان يجوز استعمالها إلا الجارحتين منهما ؛ فإنه لا يقدر على استعمالهما إلا هو ، إحداهما : الذكر ، والأخرى : اللسان ؛ فإن هاتين الجارحتين لا يمكن استعمالهما إلا صاحبهما ؛ فجعل
__________________
(١) أخرجه بمعناه ابن جرير (٧ / ٥٧٥) (٨٥٧٧).
وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٢١٤) وزاد نسبته لابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٢) وأصل «أحستم» في قراءة ابن مسعود : أحسستم ، فحذفت إحدى السنين ، وهو حذف شاذ لم يرد إلا في ألفاظ يسيرة ، وحكي أنها لغة سليم.
تنظر القراءة في : البحر المحيط (٣ / ١٨٠). المحرر الوجيز لابن عطية (٢ / ١٠) ، اللباب لابن عادل (٦ / ١٨٨).
(٣) في ب : هنا.
(٤) في ب : عقلهم.