تعالى ـ لهم ، لا لحق [لهم عليه في](١) ذلك ؛ إذ له أن يخلق كيف شاء : صحيحا ، وسقيما ، ثم من ظلم آخر في الشاهد إنما (٢) يظلم لإحدى خلتين :
إما لجهل (٣) بالعدل والحق ، وإما لحاجة تمسه يدفع ذلك عن نفسه ، فيحمله على الظلم ، فالله ـ سبحانه وتعالى ـ غني بذاته ، عالم ، لم يزل يتعالى عن أن تمسه حاجة ؛ أو يخفى عليه شيء مع ما كان معنى (٤) الظلم في الشاهد هو التنازل مما ليس له بغير إذن من له وكل الخلائق من كل الوجوه له ؛ فلا معنى ثمّ للظلم.
ثم قيل في الذّرّة : إنها نملة (٥) ، وكذلك في حرف ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ : «مثقال نملة» (٦).
وقيل : مثقال حبة ، وهو على التمثيل ، ليس على التحقيق ، ذكر لصغر جثته أنه لا يظلم ذلك المقدار ، فكيف ما فوق ذلك؟! ، لا أن مثله يحتمل أن يكون ، لكن لو كان فهو بتكوينه (٧) ، وبالله التوفيق.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً)
هذا على المعتزلة ؛ لأنهم يقولون : من ارتكب كبيرة يخلد في النار ومعه حسنات كثيرة ، فأخبر ـ عزوجل ـ : (وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً) وهي الجنة ، وهذا لسوء ظنهم بالله ، وإياسهم من رحمته.
عن أنس ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «إنّ الله ـ تعالى ـ لا يظلم المؤمن حسنة يثاب عليها إمّا رزق فى الدّنيا ، وإمّا جزاء في الآخرة» (٨).
وعن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «يقول الله ـ تعالى ـ : أخرجوا من النّار من كان فى قلبه مثقال ذرّة من إحسان» قال أبو سعيد ـ رضي الله عنه ـ :
__________________
(١) في ب : عليهم.
(٢) في أ : أنه.
(٣) في ب : الجهل.
(٤) في ب : يخفي.
(٥) قاله ابن عباس ، أخرجه عنه ابن المنذر ، كما في الدر المنثور (٢ / ٢٩٠).
(٦) أخرجه ابن أبي داود في المصاحف ؛ كما في الدر المنثور (٢ / ٢٩٠).
(٧) في ب : بتكونه.
(٨) أخرجه أحمد (٣ / ١٢٣ ، ١٢٥ ، ٢٨٣) ، وعبد بن حميد (١١٧٨) ، والبخاري في «خلق أفعال العباد» ص (٥٦) ، ومسلم (٤ / ٢١٦٢) : كتاب المنافقين وأحكامهم : باب جزاء المؤمن بحسناته في الدنيا والآخرة ، من طريق قتادة عن أنس بن مالك ، مرفوعا : «إن الله لا يظلم مؤمنا حسنة : يعطى بها في الدنيا ، ويجزى بها في الآخرة. وأما الكافر : فيطعم بحسنات ما عمل بها لله في الدنيا ؛ حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم يكن له حسنة يجزى بها».