ويروى (١) في خبر آخر : قال [رسول الله](٢) صلىاللهعليهوسلم : «اتّقوا الله فى النّساء ؛ فإنّكم أخذتموهنّ بأمانة الله ، واستحللتم فروجهنّ بكلمة الله ، وإنّ لكم عليهنّ ألّا يوطئن فراشكم أحدا تكرهونه ؛ فإن فعلن فاضربوهنّ ضربا غير مبرّح ، ولهنّ عليكم رزقهنّ وكسوتهنّ بالمعروف» (٣).
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً) هذا ـ والله أعلم ـ تذكير من الله عباده ، وأمر منه إياهم : أنه مع علوه وسلطانه وعظمته وجلاله وقدرته ، لا يؤاخذنا بأول عصيان نعصيه ، ولا بأول عثرة نعثرها ، مع قدرته على الأخذ على ذلك وإهلاكه إياهم ، فأنتم لا تؤاخذوهن ـ أيضا ـ بأول معصية يعصين فيكم ، والله أعلم.
ويحتمل : ذكر هذه الآية وهو كذلك ؛ ليذكر علوه وكبره ؛ فيحفظ حده فيما جعل له من التأديب ، ويذكر قدرته عليه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها)(٤) الآية.
__________________
(١) في ب : وروى.
(٢) سقط من ب.
(٣) هذا جزء من حديث طويل أخرجه مسلم (٢ / ٨٨٦) كتاب الحج : باب حجة النبي صلىاللهعليهوسلم (١٤٧ ـ ١٢١٨) ، والترمذي (٣ / ٤٦٧) كتاب الرضاع : باب ما جاء في حق المرأة (١١٦٣) ، وابن ماجه (١ / ٥٩٤) كتاب النكاح : باب حق المرأة (١٨٥١).
(٤) قال القاسمي (٥ / ١٣٧) : قال الحافظ ابن كثير : وقد أجمع العلماء على أن الحكمين لهما الجمع والتفرقة ، حتى قال إبراهيم النخعي : إن شاء الحكمان أن يفرقا بينهما بطلقة أو بطلقتين أو ثلاثا ، فعلا ، وهو رواية عن مالك ، وقال الحسن البصريّ : الحكمان يحكمان في الجمع لا في التفرقة ، وكذا قال قتادة وزيد بن أسلم ، وبه قال أحمد بن حنبل وأبو ثور وداود ، ومأخذهم قوله ـ تعالى ـ : (إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُما) [النساء : ٣٥] ولم يذكر التفريق ، وأما إذا كانا وكيلين من جهة الزوجين فإنه ينفذ حكمهما في الجمع والتفرقة بلا خلاف. انتهى.
وفي الإكليل : أخرج ابن منصور أن المأمور بالبعث الحكام ، وعن السدي : إنه الزوجان ، فعلى الأول استدل به من قال : إنهما موليان من الحاكم ، فلا يشترط رضا الزوجين عما يفعلانه من طلاق وغيره ، وعلى الثاني استدل من قال : إنهما وكيلان من الزوجين. فيشترط.
وقال ابن كثير : الجمهور على الأول ، أعني أنهما منصوبان من جهة الحاكم ، لقوله ـ تعالى ـ : (فَابْعَثُوا حَكَماً) [النساء : ٣٥] إلخ ، فسماهما حكمين : ومن شأن الحكم أن يحكم بغير رضا المحكوم عليه ، وهذا ظاهر الآية.
قال القرطبي (٣ / ١١٦) : ويجزئ إرسال الواحد ؛ لأن الله ـ سبحانه ـ حكم في الزنى بأربعة شهود ، ثم قد أرسل النبي صلىاللهعليهوسلم إلى المرأة الزانية أنيسا وحده ، وقال له : «إن اعترفت فارجمها» ، وكذلك قال عبد الملك في المدونة : وإذا جاز إرسال الواحد فلو حكم الزوجان واحدا لأجزأ ، وهو بالجواز أولى إذا رضيا بذلك.