ابن جرير وابن أبي حاتم عنه أيضا في قوله : (أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ) يقول : لم يعينا الخلق الأوّل ، وفي قوله : (بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ) في شكّ من البعث.
(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (١٦) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ (١٧) ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (١٨) وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (١٩) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (٢٠) وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ (٢١) لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (٢٢) وَقالَ قَرِينُهُ هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ (٢٣) أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (٢٤) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (٢٥) الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَأَلْقِياهُ فِي الْعَذابِ الشَّدِيدِ (٢٦) قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (٢٧) قالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (٢٨) ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَما أَنَا بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (٢٩) يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (٣٠) وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (٣١) هذا ما تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (٣٢) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (٣٣) ادْخُلُوها بِسَلامٍ ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (٣٤) لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وَلَدَيْنا مَزِيدٌ (٣٥))
قوله : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ) هذا كلام مبتدأ يتضمن ذكر بعض القدرة الربانية. والمراد بالإنسان الجنس ، وقيل : آدم. والوسوسة هي في الأصل : الصوت الخفيّ ، والمراد بها هنا ما يختلج في سرّه وقلبه وضميره ، أي : نعلم ما يخفي ويكنّ في نفسه ، ومن استعمال الوسوسة في الصوت الخفيّ قول الأعشى :
تسمع للحلي وسواسا إذا انصرفت (١)
فاستعمل لما خفي من حديث النفس (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) هو حبل العاتق ، وهو ممتدّ من ناحية حلقه إلى عاتقه ، وهما وريدان من عن يمين وشمال. وقال الحسن : الوريد الوتين ، وهو عرق معلّق بالقلب. وهو تمثيل للقرب بقرب ذلك العرق من الإنسان ، أي : نحن أقرب إليه من حبل وريده ، والإضافة بيانية ، أي : حبل هو الوريد. وقيل : الحبل هو نفس الوريد ، فهو من باب مسجد الجامع. ثم ذكر سبحانه أنه مع علمه به وكلّ به ملكين يكتبان ويحفظان عليه عمله إلزاما للحجة فقال : (إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ) الظرف منتصب بما في (أَقْرَبُ) من معنى الفعل ، ويجوز أن يكون منصوبا بمقدّر هو اذكر ، والمعنى : أنه أقرب إليه من حيل وريده حين يتلقى المتلقيان ، وهما الملكان الموكلان به ما يلفظ به وما يعمل به ، أي : يأخذان ذلك ويثبتانه ، والتلقي : الأخذ ، أي : نحن أعلم بأحواله غير محتاجين إلى الحفظة الموكّلين به ، وإنما جعلنا
__________________
(١). وعجزه : كما استعان بريح عشرق زجل.