ويجوز أن تكون للجنس ؛ أي : كل طائفة من هذه الطوائف كذبت جميع الرسل ، وإفراد الضمير في كذب باعتبار لفظ كل ، وفي هذا تسلية لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، كأنه قيل له : لا تحزن ولا تكثر غمّك لتكذيب هؤلاء لك ، فهذا شأن من تقدّمك من الأنبياء ، فإن قومهم كذّبوهم ولم يصدّقهم إلا القليل منهم (فَحَقَّ وَعِيدِ) أي : وجب عليهم وعيدي ، وحقّت عليهم كلمة العذاب ، وحلّ بهم ما قدّره الله عليهم من الخسف والمسخ والإهلاك بالأنواع التي أنزلها الله بهم من عذابه (أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ) الاستفهام للتقريع والتوبيخ ، والجملة مستأنفة لتقرير أمر البعث الّذي أنكرته الأمم ؛ أي : أفعجزنا بالخلق حين خلقناهم أوّلا ولم يكونوا شيئا ، فكيف نعجز عن بعثهم ، يقال : عييت بالأمر ؛ إذا عجزت عنه ولم أعرف وجهه. قرأ الجمهور بكسر الياء الأولى بعدها ياء ساكنة. وقرأ ابن أبي عبلة بتشديد الياء من غير إشباع. ثم ذكر أنهم في شكّ من البعث ، فقال : (بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ) أي : في شك وحيرة واختلاط من خلق مستأنف ، وهو بعث الأموات ، ومعنى الإضراب أنهم غير منكرين لقدرة الله على الخلق الأوّل (بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ).
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله : (ق) قال : هو اسم من أسماء الله. وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال : خلق الله من وراء هذه الأرض بحرا محيطا ، ثم خلق وراء ذلك جبلا يقال له : ق ، السماء الدنيا مرفرفة عليه ، ثم خلق من وراء ذلك الجبل أرضا مثل تلك الأرض سبع مرات ، ثم خلق من وراء ذلك بحرا محيطا بها ، ثم خلق وراء ذلك جبلا ، يقال له قاف ، السماء الثانية مرفرفة عليه ، حتى عدّ سبع أرضين وسبعة أبحر وسبعة أجبل وسبع سماوات ، قال : وذلك قوله : (وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ) (١) قال ابن كثير : لا يصحّ سنده عن ابن عباس. وقال أيضا : وفيه انقطاع. وأخرج ابن أبي الدنيا وأبو الشيخ عنه أيضا قال : هو جبل ، وعروقه إلى الصخرة التي عليها الأرض ، فإذا أراد الله أن يزلزل قرية أمر ذلك الجبل فحرّك ذلك العرق الّذي يلي تلك القرية فيزلزلها ويحرّكها ، فمن ثم يحرّك القرية دون القرية (٢). وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عنه أيضا : (وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ) قال : الكريم. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضا قال : القرآن المجيد ليس شيء أحسن منه ولا أفضل. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا : (قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ) قال : أجسادهم وما يذهب منها. وأخرج ابن جرير عنه أيضا في الآية قال : ما تأكل من لحومهم وعظامهم وأشعارهم. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عنه أيضا قال : المريج : الشيء المتغير. وأخرج الحاكم وصحّحه ، وابن مردويه عن قطبة قال : «سمعت النبي صلىاللهعليهوسلم يقرأ في الصبح ق ، فلما أتى على هذه الآية (وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ) فجعلت أقول : ما بسوقها؟ قال : طولها». وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس في قوله : (وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ) قال : الطول. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه في قوله : (لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ) قال : متراكم بعضه على بعض. وأخرج
__________________
(١). لقمان : ٢٧.
(٢). هذا الكلام لا يستند إلى أصل شرعي ويتنافى مع الحقائق العلمية فلا يعتد به.