لشرط محذوف ، كأنه قيل : إذا كان ما ذكر من عدم المبالاة باليتيم والمسكين فويل للمصلين (الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ) أي : عذاب لهم ، أو هلاك ، أو واد في جهنم لهم كما سبق الخلاف في معنى الويل ، ومعنى ساهون : غافلون غير مبالين بها ، ويجوز أن تكون الفاء لترتيب الدعاء عليهم بالويل على ما ذكر من قبائحهم ، ووضع المصلّين موضع ضمير هم للتوصل بذلك إلى بيان أن لهم قبائح أخرى غير ما ذكر. قال الواحدي : نزلت في المنافقين الّذين لا يرجون بصلاتهم ثوابا إن صلوا ، ولا يخافون عليها عقابا إن تركوا ، فهم عنها غافلون حتى يذهب وقتها ، وإذا كانوا مع المؤمنين صلوا رياء ، وإذا لم يكونوا معهم لم يصلوا ، وهو معنى قوله : (الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ) أي : يراءون الناس بصلاتهم إن صلوا ، أو يراءون الناس بكل ما علموه من أعمال البرّ ليثنوا عليهم. قال النخعي : (الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ) هو الّذي إذا سجد قال برأسه هكذا وهكذا ملتفتا. وقال قطرب : هو الّذي لا يقرأ ولا يذكر الله. وقرأ ابن مسعود : الذين هم عن صلاتهم لاهون (وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ). قال أكثر المفسرين : الماعون : اسم لما يتعاوره الناس بينهم : من الدلو والفأس والقدر ، وما لا يمنع كالماء والملح. وقيل : هو الزكاة ، أي : يمنعون زكاة أموالهم. وقال الزجاج وأبو عبيد والمبرّد : الماعون في الجاهلية : كل ما فيه منفعة حتى الفأس والدلو والقدر والقدّاحة ، وكل ما فيه منفعة من قليل وكثير ، وأنشدوا قول الأعشى :
بأجود منه بماعونه |
|
إذا ما سماؤهم لم تغم |
قال الزجاج وأبو عبيد والمبرّد أيضا : والماعون في الإسلام : الطاعة والزكاة ، وأنشدوا قول الراعي :
أخليفة الرّحمن إنّا معشر |
|
حنفاء نسجد بكرة وأصيلا |
عرب نرى لله من أموالنا |
|
حقّ الزّكاة منزّلا تنزيلا |
قوم على الإسلام لمّا يمنعوا |
|
ماعونهم ويضيّعوا التّهليلا |
وقيل : الماعون : الماء. قال الفراء : سمعت بعض العرب يقول : الماعون : الماء ، وأنشدني :
يمجّ صبيره الماعون صبّا
والصبير : السحاب ، وقيل : الماعون : هو الحق على العبد على العموم ، وقيل : هو المستغلّ من منافع الأموال ، مأخوذ من المعن ، وهو القليل. قال قطرب : أصل الماعون من القلة ، والمعن : الشيء القليل ، فسمّى الله الصدقة والزكاة ونحو ذلك من المعروف ماعونا ؛ لأنه قليل من كثير ، وقيل : هو ما لا يبخل به كالماء والملح والنار.
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس : (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ) قال : يكذب بحكم الله (فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ) قال : يدفعه عن حقّه. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الشعب عنه (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ ـ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ) قال : هم المنافقون يراءون الناس بصلاتهم إذا حضروا ويتركونها إذا غابوا ، ويمنعونهم العارية بغضا لهم ، وهي الماعون. وأخرج