ورجّح هذا ابن جرير ، قال : لأن كفّ أيدي الناس بالحديبية مذكور في قوله : (وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ) وقيل : كفّ أيدي الناس عنكم ؛ يعني عيينة بن حصن الفزاري ، وعوف بن مالك النضري ، ومن كان معهما ، إذا جاءوا لينصروا أهل خيبر عند حصار النبيّ صلىاللهعليهوسلم لهم (وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ) اللام يجوز أن تتعلّق بفعل محذوف يقدّر بعده ، أي : فعل ما فعل من التعجيل والكفّ لتكون آية ، أو على علة محذوفة تقديرها : وعد فعجل وكفّ لتنتفعوا بذلك ولتكون آية. وقيل : إن الواو مزيدة واللام لتعليل ما قبله ؛ أي : وكفّ لتكون ؛ والمعنى : ذلك الكفّ آية يعلم بها صدق رسول الله صلىاللهعليهوسلم في جميع ما يعدكم به (وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً) أي : يزيدكم بتلك الآية هدى ، أو يثبتكم على الهداية إلى طريق الحقّ (وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها) معطوف على «هذه» ، أي : فعجّل لكم هذه المغانم ، ومغانم أخرى لم تقدروا عليها ، وهي الفتوح التي فتحها الله على المسلمين من بعد كفارس والروم ونحوهما ، كذا قال الحسن ومقاتل وابن أبي ليلى. وقال الضحاك وابن زيد وابن أبي إسحاق : هي خيبر وعدها الله نبيّه قبل أن يفتحها ولم يكونوا يرجونها. وقال قتادة : فتح مكة. وقال عكرمة : حنين ، والأوّل أولى (قَدْ أَحاطَ اللهُ بِها) صفة ثانية لأخرى. قال الفراء : أحاط الله بها لكم حتى تفتحوها وتأخذوها ، والمعنى : أنه أعدّها لهم وجعلها كالشيء الّذي قد أحيط به من جميع جوانبه ، فهو محصور لا يفوت منه شيء ، فهم وإن لم يقدروا عليها في الحال فهي محبوسة لهم لا تفوتهم ، وقيل : معنى أحاط : علم أنها ستكون لهم (وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً) لا يعجزه شيء ، ولا تختص قدرته ببعض المقدورات دون بعض (وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ) قال قتادة : يعني كفار قريش بالحديبية ، وقيل : أسد وغطفان الذين أرادوا نصر أهل خيبر ، والأول أولى (ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيًّا) يواليهم على قتالكم (وَلا نَصِيراً) ينصرهم عليكم (سُنَّةَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ) أي : طريقته وعادته التي قد مضت في الأمم من نصر أوليائه على أعدائه ، وانتصاب «سنّة» على المصدرية بفعل محذوف ، أي : بين الله سنة الله ، أو هو مصدر مؤكد لمضمون الجملة المتقدّمة (وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً) أي : لن تجد لها تغييرا ، بل هي مستمرّة ثابتة (وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ) أي : كفّ أيدي المشركين عن المسلمين وأيدي المسلمين عن المشركين لما جاءوا يصدون رسول الله صلىاللهعليهوسلم ومن معه عن البيت عام الحديبية ، وهي : المراد ببطن مكة. وقيل : إن ثمانين رجلا من أهل مكة هبطوا على النبيّ صلىاللهعليهوسلم من قبل جبل التنعيم متسلحين يريدون غرّة (١) النبي صلىاللهعليهوسلم فأخذهم المسلمون ثم تركوهم. وفي رواية اختلاف سيأتي بيانه آخر البحث إن شاء الله (وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً) لا يخفى عليه من ذلك شيء.
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، والبيهقي في الدلائل ، عن ابن عباس في قوله : (أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ) يقول : فارس. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي هريرة ، أنهم الأكراد. وأخرج ابن مردويه عن
__________________
(١). «الغرّة» : الغفلة.