بأعمالهم الأعمال التي صورتها صورة الطاعة ؛ وإلا فلا عمل لكافر ، أو ما كانوا قد عملوا من الخير قبل الردّة (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) يعني المنافقين المذكورين سابقا ، و «أم» هي المنقطعة ، أي : بل أحسب المنافقون (أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللهُ أَضْغانَهُمْ) الإخراج بمعنى الإظهار ، والأضغان : جمع ضغن ، وهو ما يضمر من المكروه. واختلف في معناه ، فقيل : هو الغش ، وقيل : الحسد ، وقيل : قال الجوهري : الضغن والضغينة : الحقد ، وقال قطرب : هو في الآية العداوة ، وأن هي المخففة من الثقيلة واسمها ضمير شأن مقدّر (وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ) أي : لأعلمناكهم وعرّفناكهم بأعيانهم معرفة تقوم مقام الرؤية ، تقول العرب : سأريك ما أصنع ، أي : سأعلمك (فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ) أي : بعلامتهم الخاصة بهم التي يتميزون بها. قال الزجّاج : المعنى لو نشاء لجعلنا على المنافقين علامة ، وهي السيما فلعرفتهم بتلك العلامة ، والفاء لترتيب المعرفة على الإرادة ، وما بعدها معطوف على جواب لو ، وكررت في المعطوف للتأكيد ، وأما اللام في قوله : (وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ) فهي جواب قسم محذوف. قال المفسرون : لحن القول : فحواه ومقصده ومغزاه وما يعرّضون به من تهجين أمرك وأمر المسلمين ، وكان بعد هذا لا يتكلم منافق عنده إلا عرفه. قال أبو زيد : لحنت له اللحن : إذا قلت له قولا يفقهه عنك ويخفى على غيره ، ومنه قول الشاعر (١) :
منطق صائب وتلحن أحيا |
|
نا وخير الكلام ما كان لحنا |
أي : أحسنه ما كان تعريضا يفهمه المخاطب ولا يفهمه غيره لفطنته وذكائه ، وأصل اللحن إمالة الكلام إلى نحو من الأنحاء لغرض من الأغراض (وَاللهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ) لا تخفى عليه منها خافية فيجازيكم بها ، وفيه وعيد شديد (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ) أي : لنعاملنكم معاملة المختبر ، وذلك بأن نأمركم بالجهاد حتى نعلم من امتثل الأمر بالجهاد وصبر على دينه ومشاقّ ما كلّف به. قرأ الجمهور الأفعال الثلاثة بالنون ، وقرأ أبو بكر عن عاصم بالتحتية فيها كلها ، ومعنى (وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ) نظهرها ونكشفها امتحانا لكم ليظهر للناس من أطاع ما أمره الله به ، ومن عصى ، ومن لم يمتثل. وقرأ الجمهور (وَنَبْلُوَا) بنصب الواو عطفا على قوله : (حَتَّى نَعْلَمَ) وروى ورش عن يعقوب إسكانها على القطع عمّا قبله.
وقد أخرج البخاري ومسلم وغير هما عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إنّ الله تعالى خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فأخذت بحقو الرّحمن ، فقال : مه ، قالت : هذا مقام العائذ بك من القطيعة ، قال : نعم أما ترضي أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟ قالت : بلى. قال : فذلك لك ؛ ثم قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم اقرءوا إن شئتم (فَهَلْ عَسَيْتُمْ) الآية إلى قوله : (أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها)» والأحاديث في صلة الرحم كثيرة جدا. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله : (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ) قال : هم أهل النفاق. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في قوله : (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي
__________________
(١). هو الفزاريّ.