وبصيرة في الدين (وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ) أي : ألهمهم إياها وأعانهم عليها. والتقوى في الربيع : هي الخشية. وقال السدّي : هي ثواب الآخرة. وقال مقاتل : هي التوفيق للعمل الّذي يرضاه ، وقيل : العمل بالناسخ وترك المنسوخ ، وقيل : ترك الرّخص والأخذ بالعزائم (فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ) أي : القيامة (أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً) أي : فجأة ، وفي هذا وعيد للكفار شديد ، وقوله : (أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً) بدل من الساعة بدل اشتمال. وقرأ أبو جعفر الرؤاسي : «إن تأتهم» بإن الشرطية (فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها) أي : أماراتها وعلاماتها ، وكانوا قد قرءوا في كتبهم أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم آخر الأنبياء ، فبعثته من أشراطها ، قاله الحسن والضحاك. والأشراط : جمع شرط بسكون الراء وفتحها. وقيل : المراد بأشراطها هنا : أسبابها التي هي دون معظمها. وقيل : أراد بعلامات الساعة انشقاق القمر والدخان ، كذا قال الحسن ، وقال الكلبي : كثرة المال والتجارة وشهادة الزور وقطع الأرحام وقلة الكرام وكثرة اللئام ، ومنه قول أبي الأسود :
فإن كنت قد أزمعت بالصّرم بيننا |
|
فقد جعلت أشراط أوّله تبدو |
(فَأَنَّى لَهُمْ إِذا جاءَتْهُمْ ذِكْراهُمْ) ذكراهم مبتدأ وخبره فإنّى لهم ، أي : أنّى لهم التذكّر إذا جاءتهم الساعة ، كقوله : (يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى) (١) و «إذا جاءتهم» اعتراض بين المبتدأ والخبر (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ) أي : إذا علمت أن مدار الخير هو التوحيد والطاعة ، ومدار الشرّ هو الشرك والعمل بمعاصي الله فاعلم أنه لا إله غيره ولا ربّ سواه ، والمعنى : اثبت على ذلك واستمر عليه ، لأنه صلىاللهعليهوسلم قد كان عالما بأنه لا إله إلا الله قبل هذا ، وقيل : ما علمته استدلالا فاعلمه خبرا يقينا. وقيل : المعنى : فاذكر أنه لا إله إلا الله ، فعبر عن الذكر بالعلم (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ) أي : استغفر الله أن يقع منك ذنب ، أو استغفر الله ليعصمك ، أو استغفره مما ربما يصدر منك من ترك الأولى. وقيل : الخطاب له ، والمراد الأمة ، ويأبى هذا قوله : (وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) فإن المراد به استغفاره لذنوب أمته بالدعاء لهم بالمغفرة عمّا فرط من ذنوبهم (وَاللهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ) في أعمالكم (وَمَثْواكُمْ) في الدار الآخرة ، وقيل : متقلّبكم في أعمالكم نهارا ومثواكم في ليلكم نياما. وقيل : متقلبكم في أصلاب الآباء إلى أرحام الأمهات ومثواكم في الأرض ، أي : مقامكم فيها. قال ابن كيسان : متقلبكم من ظهر إلى بطن في الدنيا ، ومثواكم في القبور.
وقد أخرج عبد بن حميد وأبو يعلى وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس : «أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم لما خرج من مكة إلى الغار التفت إلى مكة وقال : أنت أحبّ بلاد الله إليّ ، ولو لا أن أهلك أخرجوني منك لم أخرج ، فأعتى الأعداء من عتا على الله في حرمه ، أو قتل غير قاتله ، أو قتل بدخول الجاهلية» فأنزل الله : (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ) الآية. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس (أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ) قال : غير متغير. وأخرج أحمد ، والترمذي وصحّحه ، وابن المنذر وابن مردويه ، والبيهقي في البعث ، عن معاوية بن حيدة سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «في الجنة بحر اللبن وبحر الماء وبحر العسل وبحر
__________________
(١). الفجر : ٢٣.