قُرْآنَهُ) أي : شرائعه وأحكامه (فَإِذا قَرَأْناهُ) أي : أتممنا قراءته عليك بلسان جبريل (فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ) أي : قراءته (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ) أي : تفسير ما فيه من الحلال والحرام ، وبيان ما أشكل منه. قال الزجاج : المعنى علينا أن ننزله عليك قرآنا عربيا فيه بيان للناس. وقيل : المعنى : إن علينا أن نبينه بلسانك (كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ) كلا للردع عن العجلة والترغيب في الأناة ، وقيل : هي ردع لمن لا يؤمن بالقرآن وبكونه بيّنا من الكفار. قال عطاء : أي : لا يؤمن أبو جهل بالقرآن وبيانه. قرأ أهل المدينة والكوفيون : (بَلْ تُحِبُّونَ وَتَذَرُونَ) بالفوقية في الفعلين جميعا. وقرأ الباقون بالتحتية فيهما ، فعلى القراءة الأولى يكون الخطاب لهم تقريعا وتوبيخا ، وعلى القراءة الثانية يكون الكلام عائدا إلى الإنسان لأنه بمعنى الناس ، والمعنى : تحبون الدنيا وتتركون (الْآخِرَةَ) فلا تعملون لها (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ) أي : ناعمة غضّة حسنة ، يقال : شجر ناضر وروض ناضر ، أي : حسن ناعم ، ونضارة العيش : حسنه وبهجته. قال الواحدي والمفسرون : يقولون مضيئة مسفرة مشرقة (إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) هذا من النظر ، أي : إلى خالقها ومالك أمرها (ناظِرَةٌ) أي : تنظر إليه ، هكذا قال جمهور أهل العلم ، والمراد به ما تواترت به الأحاديث الصحيحة من أن العباد ينظرون ربهم يوم القيامة كما ينظرون إلى القمر ليلة البدر. قال ابن كثير : وهذا بحمد الله مجمع عليه بين الصحابة والتابعين وسلف هذه الأمة ، كما هو متفق عليه بين أئمة الإسلام وهداة الأنام. وقال مجاهد : أن النظر هنا انتظار ما لهم عند الله من الثواب ، وروي نحوه عن عكرمة ، وقيل : لا يصح هذا إلا عن مجاهد وحده. قال الأزهري : وقول مجاهد خطأ لأنه لا يقال : نظر إلى كذا بمعنى الانتظار. وإن قول القائل : نظرت إلى فلان ليس إلا رؤية عين ، إذا أرادوا الانتظار قالوا : نظرته ، كما في قول الشاعر :
فإنّكما إن تنظراني ساعة |
|
من الدّهر تنفعني لدى أمّ جندب |
فإذا أرادوا نظر العين قالوا : نظرت إليه ، كما قال الشاعر (١) :
نظرت إليها والنّجوم كأنّها |
|
مصابيح رهبان تشبّ لقفّال (٢) |
وقول الآخر :
إنّي إليك لما وعدت لناظر |
|
نظر الفقير إلى الغنيّ الموسر |
أي : أنظر إليك نظر ذلّ كما ينظر الفقير إلى الغنيّ. وأشعار العرب وكلماتهم في هذه كثيرة جدّا. و «وجوه» مبتدأ ، وجاز الابتداء به مع كونه نكرة ، لأن المقام مقام تفصيل ، و «ناضرة» صفة لوجوه ، و «يومئذ» ظرف لناضرة ، ولو لم يكن المقام مقام تفصيل لكان وصف النكرة بقوله : (ناضِرَةٌ) مسوّغا للابتداء بها ، ولكن مقام التفصيل بمجرده مسوّغ للابتداء بالنكرة (وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ) أي : كالحة
__________________
(١). هو امرؤ القيس.
(٢). «تشب» : توقد. «القفال» : جمع قافل ، وهو الراجع من السفر.