وما أخّر من طاعة فلم يعمل بها. وقال زيد بن أسلم : بما قدّم من أمواله وما خلف للورثة. وقال مجاهد : بأوّل عمله وآخره. وقال الضحاك : بما قدّم من فرض وأخّر من فرض. قال القشيري : هذا الإنباء يكون يوم القيامة عند وزن الأعمال ، ويجوز أن يكون عند الموت. قال القرطبي : والأوّل أظهر (بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ) ارتفاع بصيرة على أنها خبر الإنسان ، «على نفسه» متعلق ببصيرة. قال الأخفش : جعله هو البصيرة كما تقول للرجل : أنت حجة على نفسك ، وقيل المعنى : إن جوارحه تشهد عليه بما عمل ، كما في قوله : (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) (١) ، وأنشد الفرّاء :
كأنّ على ذي العقل عينا بصيرة |
|
بمقعده أو منظر هو ناظره |
فيكون المعنى : بل جوارح الإنسان عليه شاهدة. قال أبو عبيدة والقتبي : إن هذه الهاء في بصيرة هي التي يسميها أهل الإعراب هاء المبالغة ، كما في قولهم : علامة. وقيل : المراد بالبصيرة الكاتبان اللذان يكتبان ما يكون منه من خير وشرّ ، والتاء على هذا للتأنيث. وقال الحسن : أي بصير بعيوب نفسه (وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ) أي : ولو اعتذر وجادل عن نفسه لم ينفعه ذلك. يقال : معذرة ومعاذير. قال الفرّاء : أي : وإن اعتذر فعليه من يكذب عذره (٢). وقال الزجاج : المعاذير : الستور ، والواحد معذار ، أي : وإن أرخى الستور يريد أن يخفي نفسه فنفسه شاهدة عليه ، كذا قال الضحاك والسدّي : والستر بلغة اليمن يقال له معذار. كذا قال المبرد. ومنه قول الشاعر :
ولكنّها ضنّت بمنزل ساعة |
|
علينا وأطّت يومها بالمعاذر |
والأوّل أولى ، وبه قال مجاهد وقتادة وسعيد بن جبير وابن زيد وأبو العالية ومقاتل ، ومثله قوله : (يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ) (٣) وقوله : (وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ) (٤) وقول الشاعر :
فما حسن أن يعذر المرء نفسه |
|
وليس له من سائر النّاس عاذر |
(لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ) كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يحرّك شفتيه ولسانه بالقرآن إذا أنزل عليه قبل فراغ جبريل من قراءة الوحي حرصا على أن يحفظه صلىاللهعليهوسلم ، فنزلت هذه الآية ، أي : لا تحرّك بالقرآن لسانك عند إلقاء الوحي لتأخذه على عجل مخافة أن يتفلّت منك ، ومثل هذا قوله : (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ) (٥) الآية. (إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ) في صدرك حتى لا يذهب عليك منه شيء (وَقُرْآنَهُ) أي : إثبات قراءته في لسانك. قال الفرّاء : القراءة والقرآن مصدران. وقال قتادة (فَاتَّبِعْ
__________________
(١). النور : ٢٤.
(٢). في القرطبي [١٩ / ١٠٠] : أي ولو اعتذر فقال لم أفعل شيئا لكان عليه من نفسه من يشهد عليه من جوارحه.
(٣). غافر : ٥٢.
(٤). المرسلات : ٣٦.
(٥). طه : ١١٤.