شقاء لهم. وقال الحسن : شتما لهم. وقال ثعلب : هلاكا لهم ، وقال الضحاك : خيبة لهم. وقيل : قبحا لهم ، حكاه النقاش. وقال الضحاك : رغما لهم. وقال ثعلب أيضا : شرّا لهم. وقال أبو العالية : شقوة لهم. واللام في «لهم» للبيان كما في قوله : (هَيْتَ لَكَ) (١). وقوله : (وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ) معطوف على ما قبله ، داخل معه في خبرية الموصول ، والإشارة بقوله : (ذلِكَ) إلى ما تقدّم ممّا ذكره الله من التعس والإضلال ، أي : الأمر ذلك ، أو ذلك الأمر (بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا ما أَنْزَلَ اللهُ) على رسوله من القرآن ، أو ما أنزل على رسله من كتبه لاشتمالها على ما في القرآن من التوحيد والبعث (فَأَحْبَطَ) الله (أَعْمالَهُمْ) بذلك السبب ، والمراد بالأعمال ما كانوا عملوا من أعمال الخير في الصورة وإن كانت باطلة من الأصل ؛ لأنّ عمل الكافر لا يقبل قبل إسلامه. ثم خوّف سبحانه الكفار وأرشدهم إلى الاعتبار بحال من قبلهم ، فقال : (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ) أي : ألم يسيروا في أرض عاد وثمود وقوم لوط وغيرهم ليعتبروا (فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) أي : آخر أمر (٢) الكافرين قبلهم ، فإن آثار العذاب في ديارهم باقية. ثم بيّن سبحانه ما صنع بمن قبلهم فقال : (دَمَّرَ اللهُ عَلَيْهِمْ) والجملة مستأنفة جواب سؤال مقدّر ، والتدمير : الإهلاك ، أي : أهلكهم واستأصلهم ، يقال : دمّره ودمر عليه بمعنى. ثم توعّد مشركي مكة فقال : (وَلِلْكافِرِينَ أَمْثالُها) أي : لهؤلاء أمثال عاقبة من قبلهم من الأمم الكافرة. قال الزجاج وابن جرير : الضمير في (أَمْثالُها) يرجع إلى (عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) ، وإنما جمع لأن العواقب متعددة بحسب تعدّد الأمم المعذّبة ، وقيل : أمثال العقوبة ، وقيل : الهلكة ، وقيل : التدمير ، والأوّل أولى لرجوع الضمير إلى ما هو مذكور قبله ، والإشارة بقوله : (ذلِكَ) إلى ما ذكر من أن للكافرين أمثالها (بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا) أي : بسبب أنّ الله ناصرهم (وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ) أي : لا ناصر يدفع عنهم. وقرأ ابن مسعود : ذلك بأن الله وليّ الذين آمنوا قال قتادة : نزلت يوم أحد (إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) قد تقدّم تفسير الآية في غير موضع ، وتقدّم كيفية جري الأنهار من تحت الجنات ، والجملة مسوقة لبيان ولاية الله للمؤمنين (وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ) أي : يتمتعون بمتاع الدنيا وينتفعون به كأنهم أنعام ليس لهم همة إلا بطونهم وفروجهم ، ساهون عن العاقبة ، لاهون بما هم فيه (وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ) أي : مقام يقيمون به ، ومنزل ينزلونه ويستقرّون فيه ، والجملة في محل نصب على الحال أو مستأنفة.
وقد أخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، والحاكم وصحّحه ، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله : (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ) قال : هم أهل مكة قريش نزلت فيهم (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) قال : هم أهل المدينة الأنصار (وَأَصْلَحَ بالَهُمْ) قال : أمرهم. وأخرج ابن المنذر عنه في قوله : (أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ) قال : كانت لهم أعمال فاضلة ، ولا يقبل الله مع الكفر
__________________
(١). يوسف : ٢٣.
(٢). من تفسير القرطبي (١٦ / ٢٣٥)