عند الله ، ولم نكذب به ؛ كما كذبت به كفرة الإنس (فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً) أي : لا يخاف نقصا في عمله وثوابه ، ولا ظلما ومكروها يغشاه ، والبخس : النقصان ، والرهق : العدوان والطغيان ، والمعنى : لا يخاف أن ينقص من حسناته ولا أن يزاد في سيئاته ، وقد تقدّم تحقيق الرهق قريبا. قرأ الجمهور : (بَخْساً) بسكون الخاء ، وقرأ يحيى بن وثّاب بفتحها. وقرأ يحيى بن وثّاب والأعمش فلا يخف جزما على جواب الشرط ، ولا وجه لهذا بعد دخول الفاء ، والتقدير : فهو لا يخاف ، والأمر ظاهر.
وقد أخرج أحمد والبخاري ومسلم والترمذي وغيرهم عن ابن عباس قال : انطلق النبي صلىاللهعليهوسلم في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ ، وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء ، وأرسلت عليهم الشهب ، فرجعت الشياطين إلى قومهم ، فقالوا : ما لكم؟ فقالوا : حيل بيننا وبين خبر السماء وأرسلت علينا الشهب ، قالوا : ما حال بينكم وبين خبر السماء إلا شيء حدث ، فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها ؛ لتعرفوا ما هذا الأمر الّذي حال بينكم وبين خبر السماء ، فانصرف أولئك الذين توجهوا نحو تهامة إلى النبيّ صلىاللهعليهوسلم وهو بنخلة عامدين إلى سوق عكاظ ، وهو يصلّي بأصحابه صلاة الفجر ، فلما سمعوا القرآن استمعوا له ، فقالوا : هذا والله الّذي حال بينكم وبين خبر السماء ، فهنالك رجعوا إلى قومهم (فَقالُوا) يا قومنا (إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً) فأنزل الله على نبيه صلىاللهعليهوسلم (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِ) وإنما أوحي إليه قول الجنّ.
وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود في قوله : (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِ) قال : كانوا من جنّ نصيبين. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا) قال : آلاؤه وعظمته. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في الآية قال : أمره وقدرته. وأخرج ابن مردويه والديلمي ، قال السيوطي : بسند واه ، عن أبي موسى الأشعري مرفوعا في قوله : (وَأَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا) قال : إبليس. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم ، والعقيلي في الضعفاء ، والطبراني ، وأبو الشيخ في العظمة ، وابن مردويه وابن عساكر عن كردم بن أبي السائب الأنصاري قال : خرجت مع أبي إلى المدينة في حاجة ، وذلك أوّل ما ذكر رسول الله صلىاللهعليهوسلم بمكة ، فآوانا المبيت إلى راعي غنم ، فلما انتصف الليل جاء ذئب فأخذ حملا من الغنم ، فوثب الراعي فقال : يا عامر الوادي أنا جارك ، فنادى مناد : يا سرحان أرسله ، فأتى الحمل يشتدّ حتى دخل في الغنم ، وأنزل الله على رسوله بمكة : (وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِ) الآية. وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس في قوله : (فَزادُوهُمْ رَهَقاً) قال : إثما. وأخرج ابن مردويه عنه قال : كان القوم في الجاهلية إذا نزلوا بالوادي قالوا : نعوذ بسيد هذا الوادي من شرّ ما فيه ، فلا يكون بشيء أشدّ ولعا منهم بهم ، فذلك قوله : (فَزادُوهُمْ رَهَقاً). وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وعبد ابن حميد ، والترمذي وصحّحه ، والنسائي وابن جرير والطبراني وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي عن ابن عباس قال : كانت الشياطين لهم مقاعد في السماء يسمعون فيها الوحي ، فإذا سمعوا الكلمة زادوا فيها تسعا ، فأما