وبينها حائل. قال ابن قتيبة : يعني أنها غير محظورة عليها كما يحظر على بساتين الدنيا (وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ) أي : مرفوع بعضها فوق بعض ، أو مرفوعة على الأسرّة. وقيل : إن الفرش هنا كناية عن النساء اللواتي في الجنة ، وارتفاعها كونها على الأرائك ، أو كونها مرتفعات الأقدار في الحسن والكمال (إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً) أي : خلقناهنّ خلقا جديدا من غير توالد ، وقيل : المراد نساء بني آدم ، والمعنى : أن الله سبحانه أعادهنّ بعد الموت إلى حال الشباب ، والنساء وإن لم يتقدّم لهنّ ذكر لكنهن قد دخلن في أصحاب اليمين ، وأما على قول من قال : إن الفرش المرفوعة عين النساء فمرجع الضمير ظاهر (فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً). (لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ) (١). (عُرُباً أَتْراباً) العرب : جمع عروب ، وهي المتحبّبة إلى زوجها ، قال المبرد : هي العاشقة لزوجها ، ومنه قول لبيد :
وفي الخباء عروب غير فاحشة |
|
ريّا الرّوادف يعشي ضوؤها البصرا (٢) |
وقال زيد بن أسلم : هي الحسنة الكلام. قرأ الجمهور بضم العين والراء. وقرأ حمزة وأبو بكر عن عاصم بإسكان الراء وهما لغتان في جمع فعول ، والأتراب : هنّ اللواتي على ميلاد واحد وسنّ واحد. وقال مجاهد : أترابا : أمثالا وأشكالا. وقال السدّي : أترابا في الأخلاق لا تباغض بينهن ولا تحاسد. قوله : (لِأَصْحابِ الْيَمِينِ) متعلّق بأنشأناهن ، أو بجعلنا ، أو بأترابا ، والمعنى : أن الله أنشأهنّ لأجلهم ، أو خلقهنّ لأجلهم ، أو هنّ مساويات لأصحاب اليمين في السنّ ، أو هو خبر لمبتدأ محذوف ، أي : هنّ لأصحاب اليمين (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ ـ وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ) هذا راجع إلى قوله : (وَأَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ) أي : هم ثلة من الأوّلين وثلة من الآخرين ، وقد تقدّم تفسير الثلة عند ذكر السابقين ، والمعنى : أنهم جماعة أو أمة أو فرقة أو قطعة من الأوّلين ، وهم من لدن آدم إلى نبينا صلىاللهعليهوسلم وجماعة أو أمة أو فرقة أو قطعة من الآخرين وهم أمة محمد صلىاللهعليهوسلم. وقال أبو العالية ومجاهد وعطاء بن أبي رباح والضحاك : (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ) يعني : من سابقي هذه الأمة ، (وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ) : من هذه الأمة من آخرها. ثم لمّا فرغ سبحانه مما أعدّه لأصحاب اليمين شرع في ذكر أصحاب الشمال وما أعدّه لهم فقال : (وَأَصْحابُ الشِّمالِ ما أَصْحابُ الشِّمالِ) الكلام في إعراب هذا وما فيه من التفخيم كما سبق في أصحاب اليمين ، وقوله : (فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ) إما خبر ثان لأصحاب الشمال أو خبر مبتدأ محذوف ، والسموم : حرّ النار ، والحميم : الماء الحارّ الشديد الحرارة ، وقد سبق بيان معناه. وقيل : السموم : الريح الحارة التي تدخل في مسامّ البدن (وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ) اليحموم يفعول من الأحم ، وهو الأسود ؛ والعرب تقول : أسود يحموم ؛ إذا كان شديد السواد ، والمعنى : أنهم يفزعون إلى الظلّ فيجدونه ظلا من دخان جهنم شديد السواد. وقيل : وهو مأخوذ من الحم وهو الشّحم المسودّ باحتراق النار. وقيل : مأخوذ من الحمم وهو الفحم. قال الضحاك : النار سوداء ، وأهلها سود ،
__________________
(١). الرّحمن : ٥٦ و ٧٤.
(٢). في تفسير القرطبي : يغشى دونها البصر.