(٤٥) وَكانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ (٤٦) وَكانُوا يَقُولُونَ أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (٤٧) أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ (٤٨) قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ (٤٩) لَمَجْمُوعُونَ إِلى مِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (٥٠) ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ (٥١) لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ (٥٢) فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ (٥٣) فَشارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ (٥٤) فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ (٥٥) هذا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ (٥٦))
لما فرغ سبحانه من ذكر أحوال السابقين وما أعدّه لهم من النعيم المقيم ، ذكر أحوال أصحاب اليمين فقال : (وَأَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ) قد قدّمنا وجه إعراب هذا الكلام ، وما في هذه الجملة الاستفهامية من التفخيم والتعظيم ، وهي خبر المبتدأ. وهو أصحاب اليمين ، وقوله : (فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ) خبر ثان أو خبر مبتدأ محذوف ، أي : هم في سدر مخضود ، والسدر : نوع من الشجر ، والمخضود : الّذي خضد شوكه ، أي : قطع فلا شوك فيه. قال أمية بن أبي الصّلت يصف الجنة :
إنّ الحدائق في الجنان ظليلة |
|
فيها الكواعب سدرها مخضود |
وقال الضحاك ومجاهد ومقاتل بن حيان : إن السدر المخضود : الموقر حملا (وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ) قال أكثر المفسرين : إن الطلح في الآية هو شجر الموز. وقال جماعة : ليس هو شجر الموز ، ولكنه الطلح المعروف ، وهو أعظم أشجار العرب. قال الفراء وأبو عبيدة : هو شجر عظام لها شوك. قال الزجاج : الطلح هو أمّ غيلان. ولها نور طيّب ، فخوطبوا ووعدوا بما يحبون ، إلا أن فضله على ما في الدنيا كفضل سائر ما في الجنة على ما في الدنيا. قال : ويجوز أن يكون في الجنة وقد أزيل شوكه. قال السدي : طلح الجنة يشبه طلح الدنيا ، لكن له ثمر أحلى من العسل ، والمنضود : المتراكب الّذي قد نضد أوله وآخره بالحمل ليس له سوق بارزة. قال مسروق : أشجار الجنة من عروقها إلى أفنانها نضيد ، ثمر كله ، كلما أخذت ثمرة عاد مكانها أحسن منها (وَظِلٍّ مَمْدُودٍ) أي : دائم باق لا يزول ولا تنسخه الشمس. قال أبو عبيدة : والعرب تقول لكل شيء طويل لا ينقطع ممدود ، ومنه قوله : (أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَ) (١) والجنة كلها ظلّ لا شمس معه. قال الربيع بن أنس : يعني ظلّ العرش ، ومن استعمال العرب للممدود في الدائم الّذي لا ينقطع قول لبيد :
غلب العزاء وكنت غير مغلّب |
|
دهر طويل دائم ممدود |
(وَماءٍ مَسْكُوبٍ) أي : منصبّ يجري بالليل والنهار أينما شاؤوا لا ينقطع عنهم ، فهو مسكوب يسكبه الله في مجاريه ، وأصل السكب : الصبّ ، يقال سكبه سكبا ، أي : صبّه (وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ) أي : ألوان متنوعة متكثرة (لا مَقْطُوعَةٍ) في وقت من الأوقات كما تنقطع فواكه الدنيا في بعض الأوقات (وَلا مَمْنُوعَةٍ) أي : لا تمتنع على من أرادها في أي وقت على أيّ صفة ، بل هي معدّة لمن أرادها لا يحول بينه
__________________
(١). الفرقان : ٤٥.