قتادة : يريد القرآن ، وأنه أنذر بما أنذرت به الكتب الأولى ، وقيل : هذا الّذي أخبرنا به عن أخبار الأمم تخويف لهذه الأمة أن ينزل بهم ما نزل بأولئك ، كذا قال أبو مالك. وقال أبو صالح : إن الإشارة بقوله : (هذا) إلى ما في صحف موسى وإبراهيم ، والأوّل أولى (أَزِفَتِ الْآزِفَةُ) أي : قربت الساعة ودنت ، سمّاها آزفة لقرب قيامها ، وقيل : لدنوّها من الناس ، كما في قوله : (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ) (١) أخبرهم بذلك ليستعدّوا لها. قال في الصحاح : أزفت الآزفة : يعني القيامة ، وأزف الرجل عجل ، ومنه قول الشاعر :
أزف التّرحّل غير أنّ ركابنا |
|
لمّا تزل برحالنا وكأن قد |
(ولَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللهِ كاشِفَةٌ) أي : ليس لها نفس قادرة على كشفها عند وقوعها إلا الله سبحانه ، وقيل : كاشفة بمعنى انكشاف ، والهاء فيها كالهاء في العاقبة والداهية ، وقيل : كاشفة بمعنى كاشف ، والهاء للمبالغة كرواية ، والأوّل أولى ، وكاشفة صفة لموصوف محذوف كما ذكرنا ، والمعنى : أنه لا يقدر على كشفها إذا غشت الخلق بشدائدها وأهوالها أحد غير الله ، كذا قال عطاء والضحاك وقتادة وغيرهم. ثم وبّخهم سبحانه فقال : (أَفَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ) المراد بالحديث القرآن ، أي : كيف تعجبون منه تكذيبا (وَتَضْحَكُونَ) منه استهزاء مع كونه غير محلّ للتكذيب ولا موضع للاستهزاء (وَلا تَبْكُونَ) خوفا وانزجارا لما فيه من الوعيد الشديد ، وجملة : (وَأَنْتُمْ سامِدُونَ) في محل نصب على الحال ، ويجوز أن تكون مستأنفة لتقرير ما فيها ، والسمود : الغفلة والسهو عن الشيء. وقال في الصّحاح : سمد سمودا رفع رأسه تكبّرا ، فهو سامد ، قال الشاعر (٢) :
سوامد اللّيل خفاف الأزواد
وقال ابن الأعرابي : السّمود : اللهو ، والسّامد : اللاهي ، يقال للقينة : أسمدينا ، أي : ألهينا بالغناء ، وقال المبرد : سامدون : خامدون. قال الشاعر :
رمى الحدثان نسوة آل عمرو |
|
بمقدار سمدن له سمودا |
فردّ شعورهنّ السّود بيضا |
|
وردّ وجوههنّ البيض سودا |
(فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا) لمّا وبّخ سبحانه المشركين على الاستهزاء بالقرآن والضحك منه والسخرية به وعدم الانتفاع بمواعظه وزواجره ؛ أمر عباده المؤمنين بالسّجود لله والعبادة له ، والفاء جواب شرط محذوف ، أي : إذا كان الأمر من الكفار كذلك ، فاسجدوا لله واعبدوا ، فإنه المستحقّ لذلك منكم ، وقد تقدم في فاتحة السورة أن النبي صلىاللهعليهوسلم سجد عند تلاوة هذه الآية ، وسجد معه الكفار ، فيكون المراد بها سجود التلاوة ، وقيل : سجود الفرض.
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنى وَأَقْنى) قال : أعطى
__________________
(١). القمر : ١.
(٢). هو رؤبة بن العجاج.