لأصنام ، والضمير يرجع إلى الأسماء لا إلى الأصنام ، أي : جعلتموها أسماء لا جعلتم لها اسما. وقيل : إن قوله : (هِيَ) راجع إلى الأسماء الثلاثة المذكورة ، والأوّل أولى. (ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ) أي : ما أنزل بها من حجّة ولا برهان. قال مقاتل : لم ينزل لنا كتابا لكم فيه حجة كما تقولون إنها آلهة ، ثم أخبر عنهم بقوله : (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَ) أي : ما يتبعون فيما ذكر من التسمية والعمل بموجبها إلا الظنّ الّذي لا يغني من الحق شيئا ، والتفت من الخطاب إلى الغيبة إعراضا عنهم وتحقيرا لشأنهم ، فقال : (وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ) أي : تميل إليه وتشتهيه ؛ من غير التفات إلى ما هو الحق الّذي يجب الاتباع له. قرأ الجمهور : (يَتَّبِعُونَ) بالتحتية على الغيبة ، وقرأ عيسى بن عمر وأيوب وابن السّميقع بالفوقية على الخطاب ، ورويت هذه القراءة عن ابن مسعود وابن عباس وطلحة وابن وثّاب. (وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى) أي : البيان الواضح الظاهر بأنها ليست بآلهة ، والجملة في محل نصب على الحال من فاعل يتبعون ، ويجوز أن يكون اعتراضا ، والأوّل أولى. والمعنى : كيف يتبعون ذلك والحال أن قد جاءهم ما فيه هدى لهم من عند الله ؛ على لسان رسوله الّذي بعثه الله بين ظهرانيهم ، وجعله من أنفسهم (أَمْ لِلْإِنْسانِ ما تَمَنَّى) «أم» هي المنقطعة المقدرة ببل والهمزة التي للإنكار ، فأضرب عن اتباعهم الظنّ الّذي هو مجرد التوهم ، وعن اتباعهم هوى الأنفس وما تميل إليه ، وانتقل إلى إنكار أن يكون لهم ما يتمنون من كون الأصنام تنفعهم وتشفع لهم. ثم علّل انتفاء أن يكون للإنسان ما تمنى بقوله : (فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولى) أي : أن أمور الآخرة والدنيا بأسرها لله عزوجل ، فليس لهم معه أمر من الأمور ، ومن جملة ذلك أمنياتهم الباطلة وأطماعهم الفارغة ، ثم أكّد ذلك وزاد في إبطال ما يتمنونه فقال : (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً) و «كم» هنا هي الخبرية المفيدة للتكثير ، ومحلها الرفع على الابتداء ، والجملة بعدها خبرها ، ولما في كم من معنى التكثير جمع الضمير في شفاعتهم مع إفراد الملك ، والمعنى : التوبيخ لهم بما يتمنون ويطمعون فيه من شفاعة الأصنام مع كون الملائكة مع كثرة عبادتها وكرامتها على الله لا تشفع إلا لمن أذن أن يشفع له ، فكيف هذه الجمادات الفاقدة للعقل والفهم ، وهو معنى قوله : (إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ) لهم بالشفاعة (لِمَنْ يَشاءُ) أن يشفعوا له (وَيَرْضى) بالشفاعة له لكونه من أهل التوحيد ، وليس للمشركين في ذلك حظّ ، ولا يأذن الله بالشفاعة لهم ، ولا يرضاها ؛ لكونهم ليسوا من المستحقّين لها.
وقد أخرج ابن جرير وعن ابن عباس (وَالنَّجْمِ إِذا هَوى) قال : إذا انصبّ. وأخرج ابن المنذر عنه قال : هو الثريا إذا تدلت. وأخرج عنه أيضا قال : أقسم الله أنه ما ضلّ محمد ولا غوى. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا في قوله : (ذُو مِرَّةٍ) قال : ذو خلق حسن. وأخرج أحمد وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني ، وأبو الشيخ في العظمة ، عن ابن مسعود «أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لم ير جبريل في صورته إلا مرّتين ، أما واحدة فإنه سأله أن يراه في صورته فأراه صوته فسدّ الأفق ، وأما الثانية فإنه كان معه حيث صعد فذلك قوله : (وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى ـ لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى) قال : خلق جبريل. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عنه أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : «رأيت جبريل عند سدرة المنتهى له ستّمائة جناح»