يلتّ السّويق ويطعمه الحاج ، فلما مات عكفوا على قبره يعبدونه ، فهو اسم فاعل في الأصل غلب على هذا الرجل. قال مجاهد : كان رجلا في رأس جبل [له غنيمة يسلي (١) منها السمن ، و] (٢) يتخذ من لبنها وسمنها حيسا (٣) ، ويطعم الحاج ، وكان ببطن نخلة ، فلما مات عبدوه. وقال الكلبي : كان رجلا من ثقيف له صرمة غنم ، وقيل : إنه عامر بن الظّرب العدواني ، وكان هذا الصنم لثقيف ، وفيه يقول الشاعر (٤) :
لا تنصروا اللّات إنّ الله مهلكها |
|
وكيف ينصركم من ليس ينتصر |
قال في الصحاح : واللات اسم صنم لثقيف ، وكان بالطائف ، وبعض العرب يقف عليها بالتاء ، وبعضهم بالهاء. (وَالْعُزَّى) صنم قريش وبني كنانة. قال مجاهد : هي شجرة كانت بغطفان ، وكانوا يعبدونها ، فبعث إليها النبي صلىاللهعليهوسلم خالد بن الوليد فقطعها ، وقيل : كانت شيطانة تأتي ثلاث سمرات ببطن نخلة. وقال سعيد بن جبير : العزى : حجر أبيض كانوا يعبدونه. وقال قتادة : هي بيت كان ببطن نخلة (وَمَناةَ) صنم بني هلال. وقال ابن هشام : صنم هذيل وخزاعة. وقال قتادة : كانت للأنصار. قرأ الجمهور (مَناةَ) بألف من دون همزة ، وقرأ ابن كثير وابن محيصن وحميد ومجاهد والسلمي بالمدّ والهمز (٥). فأما قراءة الجمهور فاشتقاقها من منى يمني ، أي صبّ ؛ لأن دماء النسائك كانت تصب عندها يتقرّبون بذلك إليها. وأما على القراءة الثانية فاشتقاقها من النوء ، وهو المطر لأنهم كانوا يستمطرون عندها الأنواء ، وقيل : هما لغتان للعرب ، ومما جاء على القراءة الأولى قول جرير :
أزيد مناة توعّد يا ابن تيم |
|
تأمّل أين تاه بك الوعيد |
ومما جاء على القراءة الأخرى قول الحارئي :
ألا هل أتى التّيم بن عبد مناءة |
|
على الشّنء فيما بيننا ابن تميم |
وقف جمهور القراء عليها بالتاء اتباعا لرسم المصحف ، ووقف ابن كثير وابن محيصن عليها بالهاء. قال في الصحاح : ومناة اسم صنم كان بين مكة والمدينة ، والهاء للتأنيث ويسكت عليها بالتاء ، وهي لغة. قوله : (الثَّالِثَةَ الْأُخْرى) هذا وصف لمناة ، وصفها بأنها ثالثة وبأنها أخرى ، والثالثة لا تكون إلا أخرى. قال أبو البقاء : فالوصف بالأخرى للتأكيد ، وقد استشكل وصف الثالثة بالأخرى ، والعرب إنما تصف به الثانية ، فقال الخليل : إنما قال ذلك لوفاق رؤوس الآي كقوله : (مَآرِبُ أُخْرى) (٦) وقال الحسين بن الفضل :
__________________
(١). «يسلي» : يجمع.
(٢). من تفسير القرطبي (١٧ / ١٠٠)
(٣). «الحيس» : الطعام المتّخذ من التمر والأقط والسمن.
(٤). هو شداد بن عارض الجشمي.
(٥). أي : مناءة.
(٦). طه : ١٨.