أى : هذه سنتنا وطريقتنا في الماكرين والمكذبين لرسلهم ، أننا نمهلهم ولا نهملهم ، ونجعل العاقبة السيئة لهم. ولن تجد لسنة الله ـ تعالى ـ في خلقه تبديلا بأن يضع غيرها مكانها ، ولن تجد لها تحويلا عما سارت عليه وجرت به.
قال الجمل ما ملخصه : قوله : (فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ) مصدر مضاف لمفعوله تارة كما هنا ، ولفاعله أخرى كقوله (فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَبْدِيلاً) لأنه ـ تعالى ـ سنها بهم ، فصحت إضافتها للفاعل وللمفعول. والفاء في قوله (فَلَنْ تَجِدَ) لتعليل ما يفيده الحكم بانتظارهم العذاب. ونفى وجدان التبديل والتحويل ، عبارة عن نفى وجودهما بالطريق البرهاني ، وتخصيص كل منهما بنفي مستقل لتأكيد انتفائهما.
والمراد : بعدم التبديل. أن العذاب لا يبدل بغيره. وبعدم التحويل : أنه لا يحول عن مستحقه إلى غيره. وجمع بينهما هنا : تعميما لتهديد المسيء لقبح مكره (١).
ثم ساق لهم ـ سبحانه ـ ما يؤكد عدم تغيير سنته في خلقه ، بأن حضهم على الاعتبار بأحوال المهلكين من قبلهم ، والذين يرون بأعينهم آثارهم ، فقال ـ تعالى ـ : (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ ، فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً).
أى أعمى هؤلاء الماكرون عن التدبر ، ولم يسيروا في الأرض ، فيروا بأعينهم في رحلاتهم إلى الشام أو إلى اليمن أو إلى غيرهما ، كيف كانت عاقبة المكذبين من قبلهم ، لقد دمرناهم تدميرا ، مع أنهم كانوا أشد من مشركي مكة قوة ، وأكثر جمعا (وَما كانَ اللهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ) أى وما كان من شأن الله ـ تعالى ـ أن يعجزه شيء من الأشياء ، سواء أكان في السموات أم في الأرض. بل كل شيء تحت أمره وتصرفه.
(إِنَّهُ) ـ سبحانه ـ (كانَ عَلِيماً) بكل شيء (قَدِيراً) على كل شيء.
ثم ختم ـ سبحانه ـ السورة الكريمة ببيان جانب من رحمته بعباده فقال (وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا) من الذنوب أو الخطايا.
(ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها) أى : على ظهر الأرض (مِنْ دَابَّةٍ) من الدواب التي تدب عليها. (وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) وهو يوم القيامة.
(فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ) الذي حدده ـ سبحانه ـ لحسابهم ، جازاهم بما يستحقون (فَإِنَّ اللهَ كانَ بِعِبادِهِ بَصِيراً) أى : لا يخفى عليه شيء من أحوالهم.
__________________
(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٣ ص ٥٠٠.