المحمود من جميع الموجودات ، لأنه هو الخالق لكل شيء ، وهو المنعم عليكم وعلى غيركم بالنعم التي لا تحصى.
قال صاحب الكشاف : فإن قلت : لم عرف الفقراء؟ قلت : قصد بذلك أن يريهم أنه لشدة افتقارهم إليه هم جنس الفقراء ، وإن كانت الخلائق كلهم مفتقرين إليه من الناس وغيرهم ، لأن الفقر مما يتبع الضعف ، وكلما كان الفقير أضعف كان أفقر ، وقد شهد الله ـ سبحانه ـ على الإنسان بالضعف في قوله : (وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً) ولو نكر لكان المعنى : أنتم بعض الفقراء» (١).
وجمع ـ سبحانه ـ في وصف ذاته بين الغنى والحميد ، للإشعار بأنه ـ تعالى ـ بجانب غناه عن خلقه ، هو الذي يفيض عليهم من نعمه ، وهو الذي يعطيهم من خيره وفضله ، ما يجعلهم يحمدونه بألسنتهم وقلوبهم.
قال الآلوسى : قوله (الْحَمِيدُ) أى : المنعم على جميع الموجودات ، المستحق بإنعامه للحمد ، وأصله المحمود ، وأريد به ذلك عن طريق الكناية ، ليناسب ذكره بعد فقرهم ، إذ الغنى لا ينفع الفقير إلا إذا كان جوادا منعما ، ومثله مستحق للحمد ، وهذا كالتكميل لما قبله ..» (٢).
وقوله ـ سبحانه ـ : (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ) بيان لمظهر من مظاهر غناه عن الناس.
أى : إن يشأ ـ سبحانه ـ يهلككم ويزيلكم من هذا الوجود ، ويأت بأقوام آخرين سواكم ، فوجودكم في هذه الحياة متوقف على مشيئته وإرادته.
واسم الإشارة في قوله (وَما ذلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ) يعود على الإذهاب بهم ، والإتيان بغيرهم.
وما ذلك الذي ذكرناه لكم من إفنائكم والإتيان بغيركم ، بعزيز ، أى : بصعب أو عسير أو ممتنع على الله ـ تعالى ـ ، لأن قدرته ـ تعالى ـ لا يعجزها شيء.
ثم بين ـ سبحانه ـ أن كل نفس تتحمل نتائج أعمالها وحدها فقال : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى).
وقوله : (تَزِرُ) من الوزر بمعنى الحمل. يقال : فلان وزر هذا الشيء إذا حمله. وفعله
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٣ ص ٦٠٦.
(٢) تفسير الآلوسى ج ٢٢ ص ١٨٣.