٥ ـ وبعد أن تسلى السورة الكريمة الرسول صلىاللهعليهوسلم عما أصابه من أعدائه ، تأخذ في بيان مظاهر قدرة الله ـ تعالى ـ في خلقه ، فتذكر قدرته ـ سبحانه ـ في إرسال الرياح والسحب ، وفي خلقه للإنسان من تراب ، وفي إيجاده للبحرين : أحدهما عذب فرات سائغ شرابه ، والثاني : ملح أجاج ، وفي إدخاله الليل في النهار ، والنهار في الليل ، وفي تسخيره الشمس والقمر ..
قال ـ تعالى ـ : (وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ ، وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا ، وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها ، وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَواخِرَ ، لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ. يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ ، وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ، ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ ، وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ ما يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ).
٦ ـ ثم وجه ـ سبحانه ـ نداء ثالثا إلى الناس ، بين لهم فيه : افتقارهم اليه ـ تعالى ـ وحاجتهم إلى عونه وعطائه ، وتحمل كل إنسان لمسئولياته ولنتائج أعماله ..
كما بين لهم ـ سبحانه ـ أن الفرق بين الهدى والضلال ، كالفرق بين الإبصار والعمى ، وبين النور والظلمات ، وبين الحياة والموت ، وبين الظل والحرور.
قال ـ تعالى ـ : (وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ ، وَلَا الظُّلُماتُ وَلَا النُّورُ ، وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ. وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلَا الْأَمْواتُ ، إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ ، وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ).
٧ ـ ثم عادت السورة الكريمة إلى الحديث عن مظاهر قدرة الله ـ تعالى ـ ورحمته بعباده ، وعن الثواب العظيم الذي أعده ـ سبحانه ـ لمن يتلون كتابه ولمن يحافظون على فرائضه ـ وعن عقابه الأليم للكافرين الجاحدين لنعمه ..
قال ـ تعالى ـ : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً ، فَأَخْرَجْنا بِهِ ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها ، وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها ، وَغَرابِيبُ سُودٌ. وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ كَذلِكَ ، إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ ، إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ. إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللهِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً ، يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ).
ثم قال ـ سبحانه ـ : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ ، لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها كَذلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ).
٨ ـ ثم انتقلت السورة الكريمة في أواخرها إلى الحديث عن جهالات المشركين ، حيث عبدوا من دون الله ـ تعالى ـ مالا يملك لهم ضرا ولا نفعا ، وعن مكرهم السيئ الذي لا يحيق