وقوله : (لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ) تمثيل لقلة الشيء ، ودقته ، والمراد انه لا يغيب عن علمه
شيء ما ، مهما دق أو صغر ، إذ المثقال : مفعال من الثقل ، ويطلق على الشيء البالغ
النهاية في الصغر ، والذرة تطلق على النملة ، وعلى الغبار الذي يتطاير من التراب
عند النفخ.
وفي قوله ـ سبحانه
ـ : (وَلا أَصْغَرُ مِنْ
ذلِكَ) إعجاز علمي بليغ للقرآن الكريم ، إذ كان من المعروف إلى
عهد قريب ، أن الذرة أصغر الأجسام ، فأشار القرآن إلى أن هناك ما هو أصغر منها ،
وهذا ما اكتشفه العلم الحديث بعد تحطيم الذرة ، وتقسيمها إلى جزئيات.
قال الجمل : وقوله
: (وَلا أَصْغَرُ مِنْ
ذلِكَ) العامة على رفع أصغر وأكبر ، وفيه وجهان :
أحدهما : الابتداء
، والخبر إلا في كتاب ، والثاني : العطف على (مِثْقالُ) ، وعلى هذا فيكون قوله : (إِلَّا فِي كِتابٍ) تأكيد للنفي في (لا يَعْزُبُ) كأنه قال : لكنه في كتاب مبين.
فإن قيل : فأى
حاجة إلى ذكر الأكبر ، فإن من علم ما هو أصغر من الذرة لا بد وأن يعلم الأكبر؟
فالجواب : لما كان الله ـ تعالى ـ أراد بيان إثبات الأمور في الكتاب ، فلو اقتصر
على الأصغر لتوهم متوهم أنه يثبت الصغائر لكونها محل النسيان ، وأما الأكبر فلا
ينسى فلا حاجة إلى إثباته ، فقال : الإثبات في الكتاب ليس كذلك فإن الأكبر مكتوب
أيضا .
واللام في قوله ـ تعالى
ـ (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ
آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) .. متعلقة بقوله (لَتَأْتِيَنَّكُمْ) وهي للتعليل ولبيان الحكمة في إتيانها.
أى : لتأتينكم
الساعة أيها الكافرون ، والحكمة في ذلك ليجزي ـ سبحانه ـ الذي آمنوا وعملوا
الصالحات الجزاء الحسن الذي يستحقونه.
(أُولئِكَ) الموصوفون بصفتى الإيمان والعمل الصالح (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) عظيمة من ربهم لذنوبهم (وَ) لهم كذلك (رِزْقٌ كَرِيمٌ) تنشرح له صدورهم ، وتقرّ به عيونهم.
(وَالَّذِينَ سَعَوْا
فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ) أى : والذين سعوا في إبطال آياتنا ، وفي تكذيب رسلنا (مُعاجِزِينَ) أى مسابقين لنا ، لتوهمهم أننا لا نقدر عليهم ، وأنهم
يستطيعون الإفلات من عقابنا. يقال : عاجز فلان فلانا وأعجزه إذا غالبه وسبقه.
(أُولئِكَ) الذين يفعلون ذلك (لَهُمْ عَذابٌ مِنْ
رِجْزٍ أَلِيمٌ) أى : لهم عذاب من أسوأ أنواع العذاب وأشده ألما وإهانة.
__________________