أى : إن ذلك الذي ذكرناه لكم من خلقكم ابتداء ، ثم إعادتكم إلى الحياة بعد موتكم ، يسير وهين على الله ، لأنه ـ سبحانه ـ لا يعجزه شيء.
ثم أمر ـ سبحانه ـ رسوله صلىاللهعليهوسلم أن يلفت أنظار قومه إلى التأمل والتدبر في أحوال هذا الكون ، لعل هذا التأمل يهديهم إلى الحق فقال : (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ، ثُمَّ اللهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ.) ...
أى : قل ـ أيها الرسول الكريم ـ لهؤلاء المنكرين للبعث : سيحوا في الأرض ، وتتبعوا أحوال الخلق ، وتأملوا كيف خلقهم الله ـ تعالى ـ ابتداء على أطوار مختلفة ، وطبائع متمايزة. وأحوال شتى ... ثم قل لهم بعد كل ذلك ، الله الذي خلق الخلق ابتداء على تلك الصور المتنوعة والمتكاثرة ، هو وحده الذي (يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ) أى : هو وحده الذي ينشئهم ويخلقهم ويعيدهم إلى الحياة مرة أخرى ، بعد أن أوجدهم في المرة الأولى.
فجملة (ثُمَّ اللهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ) معطوفة على قوله : (سِيرُوا.) .. وداخلة معها في حيز القول ..
والكيفية في هذه الآية باعتبار بدء الخلق على أطوار شتى ، وصور متعددة ...
وفي الآية السابقة وهي قوله : (أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) باعتبار بدء الخلق من مادة وغيرها.
والمقصود بالأمر بالسير : التدبر والتأمل والاعتبار ، لأن من شأن التنقل في جنبات الأرض ، أنه يوقظ الحس ، ويبعث على التفكير ، ويفتح العين والقلب على المشاهد الجديدة التي لم تألفها العين ، ولم يتأملها القلب قبل ذلك.
وجاء الأمر بالسير عاما ، لأن كل إنسان ـ في كل زمان ومكان ـ يأخذ من وجوه العبرة والعظة ـ عن طريق هذا السير ما يتناسب مع عقله ، وثقافته ، وبيئته ، وفكره ، ومستواه المادي ، والاجتماعى ، والحضارى ...
وقوله ـ سبحانه ـ : (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) تعليل لما قبله. أى : هو ـ سبحانه ـ قادر على النشأة الأولى ، وعلى النشأة الآخرة ، لأن قدرته لا يعجزها شيء ولا يحول دون نفاذها حائل.
وهو ـ سبحانه ـ (يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) ويرحم من يشاء برحمته ، (وَإِلَيْهِ) وحده لا إلى غيره (تُقْلَبُونَ) أى : ترجعون جميعا فيحاسبكم على أعمالكم.