والظنون جمع الظن. وهو مصدر يطلق على القليل والكثير منه. وجاء بصيغة الجمع لتعدد أنواعه ، واختلافه باختلاف قوة الإيمان وضعفه.
أى : وتظنون ـ أيها المؤمنون ـ بالله ـ تعالى ـ الظنون المختلفة ، فمنكم من ازداد يقينا على يقينه ، وازداد ثقة بوعد الله ـ تعالى ـ وبنصره ، ومنكم من كان أقل من ذلك في ثباته ويقينه ، ومنكم من كان يظهر أمامكم الإيمان والإسلام ، ويخفى الكفر والعصيان ، وهم المنافقون وهؤلاء ظنوا الظنون السيئة ، بأن اعتقدوا بأن الدائرة ستدور عليكم :
قال ابن كثير : قوله (وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا) قال الحسن : ظنون مختلفة ، ظن المنافقون أن محمدا وأصحابه يستأصلون ، وأيقن المؤمنون أن ما وعد الله ورسوله حق ، وأنه ـ سبحانه ـ سيظهر دينه على الدين كله ولو كره المشركون.
عن أبى سعيد قال : قلنا يوم الخندق : يا رسول الله ، هل من شيء نقول ، فقد بلغت القلوب الحناجر؟ فقال صلىاللهعليهوسلم : نعم. قولوا : اللهم استر عوراتنا ، وآمن روعاتنا.
قال : فضرب الله ـ تعالى ـ وجوه أعدائه بالريح فهزمهم (١).
ولفظ (هُنالِكَ) في قوله ـ تعالى ـ : (هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ) : ظرف مكان للبعيد ، وهو منصوب بقوله (ابْتُلِيَ) والابتلاء : الاختبار والامتحان بالشدائد والمصائب.
أى : في ذلك المكان الذي أحاط به الأحزاب من كل جانب ، امتحن الله ـ تعالى ـ المؤمنين واختبرهم ، ليتميز قوى الإيمان من ضعيفه.
(وَزُلْزِلُوا زِلْزالاً شَدِيداً) أى : واضطربوا اضطرابا شديدا ، من شدة الفزع ، لأن الأعداء حاصروهم ، ولأن بنى قريظة نقضوا عهودهم.
ولقد بلغ انشغال المسلمين بعدوهم انشغالا عظيما ، حتى أنهم لم يستطيعوا أن يؤدوا بعض الصلوات في أوقاتها ، وقال بعض الصحابة : يا رسول الله ، ما صلينا ، فقال لهم صلىاللهعليهوسلم : «ولا أنا ، والله ما صليت ثم قال : شغلنا المشركون عن الصلاة الوسطى ، صلاة العصر ، ملأ الله أجوافهم وقلوبهم نارا».
وخرجت طليعتان للمسلمين ليلا ، فالتقتا ـ دون أن تعرف إحداهما الأخرى ـ فتقاتلا. وحدث بينهم ما حدث من جراح وقتل ، ولم يشعروا أنهم من المسلمين ، حتى تنادوا بشعار الإسلام : «حم. لا ينصرون» ، فكف بعضهم عن بعض.
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٣٨٩.