بكلّ شيء لنفسه ومنه ينشأ البخل ، وكذلك فإنّ الحرص أحياناً يسبب الجزع وقلّة الصبر ، لأن الحريص إذا فقد بعض ممتلكاته ومتعلقاته فسوف يتألم كثيراً ويتعامل مع الامور من موقع الجزع والحدّة.
فالآية الشريفة تقرر بأن الإنسان قد خُلق بهذه الصفات ، ولكن قد يُثار في الذهن هذا التساؤل ، وهو أنّ الله تعالى قد خلق الإنسان من أجل السعادة الخالدة ونيل المقامات والكمالات المعنوية ، فكيف يخلقه بهذه النقائص ونقاط الضعف الّتي تحجبه عن سلوك طريق الحقّ وتصدّه عن السير في طريق الكمال والسعادة؟
وقد أجاب البعض على هذا السؤال بأن هذه الصفات السلبية تتعلق بالإنسان الفاقد للإيمان ، فإنّ طبع الإنسان المؤمن يتناغم مع الصبر والمثابرة والكرم وأمثال ذلك ولكن عند ما ينفصل عن دائرة الإيمان ، فمن الطبيعي أن يجزع مقابل أقل مشكلة وأدنى شدّة لأنّه يفتقد السند والدعامة الأساسية في حياته العملية ويجد نفسه وحيداً في مقابل تحدّيات الواقع الصعبة ، فلذلك يتعامل مع الحياة من موقع الحرص والبخل ولا يجد في نفسه اعتماداً وتوكلاً على الله تعالى الّذي بيده مفاتح الغيب وبالتالي لا يطمئن إلى غده وما سيواجهه في المستقبل من حوادث وأزمات.
والشاهد على هذا هو أنّ الآيات الّتي جاءت بعد هذه الآية استثنت المصلين من هذا الحكم العام على الإنسان ، ويحتمل أيضاً أنّ الآيات محل البحث كما هو الحال في كثير من الآيات الشريفة الّتي تصف الإنسان بأنه «ظلوم» و«جهول» و«يؤوس» و«كفور» و«طغى» وأمثال ذلك ، فتشير هذه الآيات إلى وجود بُعدين في كيان الإنسان : البُعد الّذي يأخذ بالإنسان ويصعد به إلى أعلى علّيين ، وهو ما يصطلح عليه بقوس الصعود ، والبُعد الآخر ما يجره إلى أسفل السافلين وهو قوس النزول.
ويرى العلّامة الطباطبائي في «الميزان» رأياً آخر في هذا الصدد ، فيقول بأن الحرص صفة من الصفات الذاتية للإنسان ومتفرعة على حبّ الذات ، وهي في الأصل ليست من الرذائل لأن حبّ الذات الّذي تتولد منه هذه الصفات هو المحور الأساس الّذي يسوق