والمعنى : ونقول لمنكري البعث والحساب بعد عرضهم علينا على سبيل التوبيخ والتأنيب : لقد جئتمونا ـ أيها المكذبون ـ مجيئا كائنا كمجيئكم عند خلقنا إياكم أول مرة. أى حفاة عراة لا مال معكم ولا ولد.
وعبر ـ سبحانه ـ بالماضي في قوله : (لَقَدْ جِئْتُمُونا ..) لتحقق الوقوع وتنزيله منزلة الواقع بالفعل.
وشبيه بهذه الآية قوله ـ تعالى ـ : (وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ. وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ ، وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ. لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) (١).
ثم ختم ـ سبحانه ـ الآية بالانتقال من توبيخهم هذا إلى توبيخ أشد وأقسى فقال : (بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً).
أى : بل زعمتم أيها المكذبون بالبعث ـ أن لن نجعل لكم زمانا أو مكانا نجازيكم فيه على أعمالكم ، وأنكرتم إنكارا مصحوبا بقسم أننا لا نبعث من يموت.
قال ـ تعالى ـ : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (٢).
ثم صور ـ سبحانه ـ أحوال المجرمين عند ما يرون مصيرهم السيئ فقال ـ تعالى ـ : (وَوُضِعَ الْكِتابُ ، فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ ، وَيَقُولُونَ : يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها).
والمراد بالكتاب : جنسه ، فيشمل جميع الصحف التي كتبت فيها أعمال المكلفين في دار الدنيا.
أى : وأحضرت صحائف أعمال العباد ، ووضعت في ميزانهم «فترى» ـ أيها المخاطب ـ «المجرمين» كافة ، مشفقين ، خائفين ، مما فيه من جرائم وذنوب «ويقولون» على سبيل التفجع والتحسر عند معاينتهم لثقل ميزان سيئاتهم ، وخفة ميزان حسناتهم.
«يا ويلتنا». والويلة : الهلاك وحلول الشر والقبح والحسرة ، وهو ـ أى لفظ الويلة ـ : مصدر لا فعل له من لفظه.
وهذا النداء على التشبيه بشخص يطلب إقباله.
__________________
(١) سورة الأنعام الآية ٩٤.
(٢) سورة النحل الآية ٣٨.