ثم ختم ـ سبحانه ـ الآية الكريمة بما يدل على كمال علمه ، وتمام قدرته ، فقال ـ تعالى ـ : (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ) أى : إن الله ـ تعالى ـ عليم بأحوال مخلوقاته ، لا يخفى عليه شيء من تصرفاتهم «قدير» على تبديل الأمور كما تقتضي حكمته وإرادته.
ويؤخذ من هذه الآية الكريمة إمكان البعث وأنه حق ، لأن الله ـ تعالى ـ القادر على خلق الإنسان وعلى نقله من حال إلى حال .. قادر ـ أيضا ـ على إحيائه بعد موته.
ثم انتقلت السورة الكريمة من الحديث عن خلق الإنسان ، وتقلبه في أطوار عمره ، إلى الحديث عن التفاوت بين الناس في أرزاقهم ، فقال ـ تعالى ـ : (وَاللهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ ...) فجعل منكم الغنى والفقير ، والمالك والمملوك ، والقوى والضعيف ، وغير ذلك من ألوان التفاوت بين الناس ، لحكمة هو يعلمها ـ سبحانه ـ.
ثم بين ـ سبحانه ـ موقف المفضلين في الرزق من غيرهم فقال : (فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلى ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَواءٌ ..).
أى : فليس الذين فضلهم الله ـ تعالى ـ في الرزق على غيرهم «برادي» أى : بمانحى وباذلى «رزقهم» الذي رزقهم الله إياه على مماليكهم أو خدمهم الذين هم إخوة لهم في الإنسانية «فهم» أى الأغنياء الذين فضلوا في الرزق ومماليكهم وخدمهم «فيه» أى : في هذا الرزق «سواء» من حيث إنى أنا الرازق للجميع.
فالجملة الكريمة يجوز أن تكون دعوة من الله ـ تعالى ـ للذين فضلوا على غيرهم في الرزق ، بأن ينفقوا على مماليكهم وخدمهم ، لأن ما ينفقونه عليهم هو رزق أجراه الله للفقراء على أيدى الأغنياء.
وإلى هذا المعنى أشار صاحب الكشاف بقوله عند تفسير الآية : أى : جعلكم متفاوتين في الرزق ، فرزقكم أفضل مما رزق مماليككم وهم بشر مثلكم ، وإخوانكم ، فكان ينبغي أن تردوا فضل ما رزقتموه عليهم ، حتى تتساووا في الملبس والمطعم. كما يحكى عن أبى ذر أنه سمع النبي صلىاللهعليهوسلم يقول : «إنما هم إخوانكم ، فاكسوهم مما تلبسون ، وأطعموهم مما تطعمون» فما رؤي عبده بعد ذلك إلا ورداؤه رداؤه ، وإزاره إزاره من غير تفاوت (١).
ويجوز أن تكون الآية الكريمة توبيخا للذين يشركون مع الله ـ تعالى ـ آلهة أخرى في العبادة. فيكون المعنى : لقد فضل الله ـ تعالى ـ بعضكم على بعض في الرزق ـ أيها
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٦٢٠.