الباقون بكسرها ، والمعنى على الكسر ، أى : متتابعين يأتى بعضهم في إثر البعض كالقوم الذين أردفوا على الدواب.
والمعنى على قراءة الفتح ، أى : فعل بهم ذلك ، ومعناه أن الله ـ تعالى ـ أردف المسلمين وأمدهم بهم (١) أى جعلهم خلف المسلمين لتقويتهم.
والمعنى : اذكروا ـ أيها المؤمنون ـ وقت أن كنتم ـ وأنتم على أبواب بدر ـ (تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ) أى : تطلبون منه الغوث والنصر على عدوكم (فَاسْتَجابَ لَكُمْ) دعاءكم ، وكان من مظاهر ذلك أن أخبركم على لسان نبيكم صلىاللهعليهوسلم بأنى (مُمِدُّكُمْ) أى : معينكم وناصركم بألف من الملائكة مردفين ، أى : متتابعين ، بعضهم على إثر بعض ، أو أن الله ـ تعالى ـ جعلهم خلف المسلمين لتقويتهم وتثبيتهم.
ويروى الإمام مسلم عن ابن عباس قال : حدثني عمر بن الخطاب قال : كان يوم بدر ، نظر رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى المشركين وهم ألف ، وأصحابه ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا ، فاستقبل نبي الله صلىاللهعليهوسلم القبلة ، ثم مد يديه فجعل يهتف بربه ويقول : اللهم أنجز لي ما وعدتني ، اللهم أنجز لي ما وعدتني ، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض ، فما زال يهتف بربه مادا يديه حتى سقط رداؤه عن منكبيه.
فأتاه أبو بكر ، فأخذ رداءه ، فألقاه على منكبيه ، ثم التزمه من ورائه ، وقال : يا نبي الله!! كفاك مناشدتك ربك ، فإنه سينجز لك ما وعدك. فأنزل الله ـ عزوجل ـ : (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ) الآية فأمده الله بالملائكة (٢).
وروى البخاري عن ابن عباس قال : قال النبي صلىاللهعليهوسلم يوم بدر ، اللهم أنشدك عهدك ووعدك ، اللهم إن شئت لم تعبد ، فأخذ أبو بكر بيده ، فقال حسبك ، فخرج صلىاللهعليهوسلم وهو يقول : «سيهزم الجمع ويولون الدبر» (٣).
وروى سعيد بن منصور عن طريق عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال : لما كان يوم بدر نظر رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى المشركين وتكاثرهم ، وإلى المسلمين فاستقلهم ، فركع ركعتين وقام أبو بكر عن يمينه ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو في صلاته : «اللهم لا تودع منى ، اللهم لا تخذلني ، اللهم لا تترنى ـ أى لا تقطعني عن أهلى وأنصارى ـ أو لا تنقصني شيئا من عطائك ـ اللهم أنشدك ما وعدتني ـ أى : أستنجزك وعدك».
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ج ٥ ص ١٣٠.
(٢) صحيح مسلم ج ٥ ص ١٥٦. طبعة مصطفى الحلبي سنة ١٣٨٠ ه سنة ١٩٦٤ م.
(٣) صحيح البخاري ج ٥ ص ٩٣ ، طبعة مصطفى الحلبي سنة ١٣٤٥ ه.