أى : إن الله ـ تعالى ـ قوى لا يغلبه غالب ، ولا يدفع قضاءه دافع ، شديد عقابه لمن كفر بآياته ، وفسق عن أمره.
وقوله : (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ ...)
بيان لسنة من سننه ـ تعالى ـ في خلقه ، وتعليل لتعذيب أولئك الكفار ، ولسلب نعمه عنهم وعن أشباههم من العصاة والجاحدين واسم الإشارة : (ذلِكَ) يعود إلى تعذيب الكفرة المعبر عنه بقوله ـ تعالى ـ (فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ).
وهو ، أى : اسم الإشارة مبتدأ ، وخبره قوله ـ سبحانه ـ (بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً ..) إلخ.
والمعنى : ذلك الذي نزل بهؤلاء الكفرة من التعذيب والخذلان عدل إلهى ، فقد جرت سنته ـ سبحانه ـ في خلقه ، واقتضت حكمته في حكمه ألا يبدل نعمه بنقم إلا بسبب ارتكاب الذنوب ، واجتراح السيئات ، فإذا لم يتلق الناس نعمه ـ عزوجل ـ بالشكر والطاعة ، وقابلوها بالكفر والعصيان ، بدل نعمتهم بنقم جزاء وفاقا.
وشبيه بهذا قوله ـ تعالى ـ في آية أخرى : (إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ) (١).
قال الفخر الرازي : قال القاضي : معنى الآية أنه ـ تعالى ـ أنعم عليهم بالعقل والقدرة وإزالة الموانع وتسهيل السبل ، والمقصود أن يشتغلوا بالعبادة والشكر ، ويعدلوا عن الكفر ، فإذا صرفوا هذه الأحوال إلى الفسق والكفر ، فقد غيروا نعمة الله ـ تعالى ـ على أنفسهم ، فلا جرم استحقوا تبديل النعم بالنقم ، والمنح بالمحن.
قال : وهذا من أوكد ما يدل على أنه ـ تعالى ـ لا يبتدئ أحدا بالعذاب والمضرة (٢).
وقال صاحب الكشاف : «فإن قلت : فما كان من تغيير آل فرعون ومشركي مكة حتى غير الله نعمته عليهم ، ولم تكن لهم حال مرضية فيغيروها إلى حال مسخوطة؟.
قلت : كما تغير الحال المرضية إلى المسخوطة ، تغير الحال المسخوطة إلى أسخط منها وأولئك كانوا قبل بعثة الرسول صلىاللهعليهوسلم إليهم كفرة عبدة أصنام ، فلما بعث إليهم بالآيات البينات فكذبوه وعادوه وتحزبوا عليه ساعين في إراقة دمه ، غيروا حالهم إلى أسوأ مما كانت ، فغير الله ما أنعم به عليهم من الإمهال وعاجلهم بالعذاب (٣).
__________________
(١) سورة الرعد الآية ١١.
(٢) تفسير الفخر الرازي ج ٥ ص ١٨١ المطبعة البهية.
(٣) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٢٣٠.