قال الآلوسى : وتخصيص الإيمان بهما ـ أى بالله واليوم الآخر ـ في الموضعين للإيذان بأن الباعث على الجهاد والمانع عنه الإيمان بهما وعدم الإيمان بهما ، فمن آمن بهما قاتل في سبيل دينه ، وهان عليه القتل فيه لما يرجوه في اليوم الآخر من النعيم المقيم ، ومن لم يؤمن كان بمعزل عن ذلك. على أن الإيمان بهما مستلزم للإيمان بسائر ما يجب الإيمان به» (١).
وقوله : (وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ) صفة ثالثة من صفاتهم الذميمة.
أى : أنهم بجانب عدم إيمانهم بالله واليوم الآخر ، رسخ الريب في قلوبهم فصاروا يشكون في صحة ما جئت به ـ أيها الرسول الكريم ـ ، ويقفون من تعاليمك وتوجيهاتك ، موقف المكذب المرتاب لا موقف المصدق المذعن.
وأضاف الشك والارتياب إلى القلوب ، لأنها محل المعرفة والإيمان. وأوثرت صيغة الماضي ـ ارتابت ، للدلالة على تحقق الريب وتوبيخهم. وأصل معنى التردد : الذهاب والمجيء. والمراد به هنا التحير على سبيل المجاز ، لأن المتحير لا يستقر في مكان ، ولا يثبت على حال.
أى : فهم في شكهم الذي حل بهم يتحيرون ، فنراهم كما وصفهم ـ سبحانه ـ في آية أخرى. (مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ ..) (٢).
أى : متحيرين بين الكفر وبين الإيمان.
وبذلك نرى أن هاتين الآيتين قد ذكرتا السمات التي بها يتميز المؤمنون الصادقون عن ـ غيرهم من الذين قالوا آمنا وما هم بمؤمنين.
ثم حكى ـ سبحانه ـ بعض المسالك الخبيثة التي كان يتبعها هؤلاء المنافقون لمحاربة الدعوة الإسلامية ، وكيف أنه ـ سبحانه ـ أحبط مكرهم فقال ـ تعالى ـ :
(وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلكِنْ كَرِهَ اللهُ انْبِعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ (٤٦) لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلاَّ خَبالاً وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١٠ ص ١١٠.
(٢) سورة النساء الآية ١٤٣.