أى : لا يساوى الفريق الأول الفريق الثاني في حكم الله ، إذ أن الفريق الثاني له بفضل إيمانه الصادق. وجهاده الخالص الأجر الجزيل عند الله.
فالجملة الكريمة مستأنفة لتقرير الإنكار المذكور وتأكيده ثم ختم ـ سبحانه. الآية الكريمة بقوله. (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ).
أى. والله تعالى. لا يوفق القوم الظالمين إلى معرفة الحق ، وتمييزه من الباطل ، لأنهم قد آثروا الشر على الخير والضلالة على الهداية.
وقوله. (الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللهِ ..») استئناف لبيان مراتب فضلهم زيادة في الرد ، وتكميلا له.
أى : (الَّذِينَ آمَنُوا) بالله ـ تعالى ـ إيمانا حقا ، (وَهاجَرُوا) من دار الكفر إلى دار الإيمان فرارا بدينهم ، (وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) لإعلاء كلمة الله (بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ) هؤلاء الذين توفرت فيهم هذه الصفات الجليلة (أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللهِ) أى : أعلى مقاما وأشرف منزلة في حكم الله وتقديره من أهل سقاية الحاج ، وعمارة المسجد الحرام ومن كل من لم يتصف بهذه الصفات الأربعة الكريمة وهي : الإيمان ، والهجرة ، والجهاد بالمال ، والجهاد بالنفس.
قال الفخر الرازي. فإن قيل : لما أخبرتم أن هذه الصفات كانت بين المسلمين والكافرين. كما جاء في بعض روايات أسباب النزول. فكيف قال في وصفهم أعظم درجة مع أنه ليس للكفار درجة.
قلنا. الجواب عنه من وجوه. الأول أن هذا ورد على حسب ما كانوا يقدرون لأنفسهم من الدرجة والفضيلة عند الله ، ونظيره قوله. سبحانه (آللهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ) (١).
الثاني : أن يكون المراد أن أولئك أعظم درجة من كل من لم يكن موصوفا بهذه الصفات ، تنبيها على أنهم لما كانوا أفضل من المؤمنين الذين ما كانوا موصوفين بهذه الصفات ، فبأن لا يقاسوا إلى الكفار أولى.
الثالث : أن يكون المراد أن المؤمن المجاهد المهاجر أفضل ممن على السقاية والعمارة. والمراد منه ترجيح تلك الأعمال. ولا شك أن السقاية والعمارة من أعمال الخير ، وإنما بطل ثوابها في حق الكفار بسبب كفرهم (٢).
__________________
(١) سورة النمل : الآية ٥٩.
(٢) تفسير الفخر الرازي ج ١٦ ص ١٤ وتلخيص يسير.