هي حق الله ـ تعالى ـ وبعدها الزكاة التي هي نفع متعد إلى الفقراء ، وهي أشرف الأفعال المتعلقة بالمخلوقين ، ولهذا كثيرا ما يقرن الله الصلاة والزكاة.
وقد جاء في الصحيحين عن ابن عمر عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة».
وروى الإمام أحمد عن أنس أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، فإذا شهدوا واستقبلوا قبلتنا وأكلوا ذبيحتنا ، وصلوا صلاتنا فقد حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إلا بحقها ، لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم» ورواه البخاري وغيره.
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : أبى الله أن يقبل الصلاة إلا بالزكاة ثم قال : يرحم الله أبا بكر ما كان أفقهه (١).
وبذلك ترى هذه الآية قد جمعت في إرشادها بين الترغيب والترهيب ؛ فقد أمرت المؤمنين بأن يستعملوا مع أعدائهم كل الوسائل المشروعة لإرهابهم ثم أمرتهم في الوقت نفسه بإخلاء سبيلهم متى تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة ..
وبعد أن بين ـ سبحانه ـ حكم المصرين على الشرك وهو قتالهم وأخذهم ، وحكم الراجعين عنه وهو إخلاء سبيلهم. بعد ذلك بين ـ سبحانه ـ حكم المشركين الذين يطلبون الأمان لمعرفة شرائع الإسلام فقال ـ تعالى ـ :
(وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ)(٦)
وقوله : استجارك ، أى ، طلب جوارك وحمايتك من الاعتداء عليه ، وقد كان من الأخلاق الحميدة المتعارف عليها حماية الجار والدفاع عنه ، حتى سمى النصير جارا ، وعلى هذا المعنى جاء قوله ، تعالى : (وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ) (٢) أى : نصير لكم.
و (إِنْ) شرطية و (أَحَدٌ) مرفوع بفعل مضمر يفسره الفعل الظاهر وهو
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ٣٢٥. بتصرف وتلخيص.
(٢) سورة الأنفال الآية ٤٨.