قال : فبلغ ذلك معاوية فرجع ، فإذا بالشيخ عمرو بن عيسة.
ثم قال ابن كثير ، وهذا الحديث رواه أبو داود الطيالسي عن شعبة ، وأخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن حبان في صحيحه من طرق عن شعبة به ، وقال الترمذي حسن صحيح.
وروى الإمام أحمد عن سلمان الفارسي أنه انتهى إلى حصن أو مدينة فقال لأصحابه : دعوني أدعوهم كما رأيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يدعوهم ، فقال : إنما كنت رجلا منكم فهداني الله إلى الإسلام ؛ فإن أسلمتم فلكم ما لنا وعليكم ما علينا ، وإن أنتم أبيتم ، فأدوا الجزية وأنتم صاغرون فإن أبيتم نابذناكم على سواء ، إن الله لا يحب الخائنين ، يفعل ذلك بهم ثلاثة أيام ، فلما كان اليوم الرابع غدا الناس إليها ففتحوها بعون الله» (١).
وقال الفخر الرازي : قال أهل العلم : آثار نقض العهد إذا ظهرت ، فإما أن تظهر ظهورا محتملا ، أو ظهورا مقطوعا به.
فإن كان الأول : وجب الإعلام على ما هو مذكور في هذه الآية ، وذلك لأن بنى قريظة عاهدوا النبي صلىاللهعليهوسلم ثم أجابوا أبا سفيان ومن معه من المشركين إلى مظاهرتهم على رسول الله ، فحصل لرسول الله صلىاللهعليهوسلم خوف الغدر منهم به وأصحابه ، فهنا يجب على الإمام أن ينبذ إليهم عهودهم على سواء ويؤذنهم بالحرب.
أما إذا ظهر نقض العهد ظهورا مقطوعا به ، فهنا لا حاجة إلى نبذ العهد ، وذلك كما فعل رسول الله صلىاللهعليهوسلم بأهل مكة ، فإنهم لما نقضوا العهد بقتل خزاعة وهم في ذمة النبي صلىاللهعليهوسلم وصل إليهم جيش رسول الله بمر الظهران ، وذلك على أربعة فراسخ من مكة (٢).
أى : أنهم لم يعلموا بجيش رسول الله صلىاللهعليهوسلم الذي جاء لمحاربتهم إلا بعد وصوله إلى هذا المكان.
وبذلك ترى أن تعاليم الإسلام ترتفع بالبشرية إلى أسمى آفاق الوفاء والشرف والأمان .. وتحقر من شأن الخيانة والخائنين ، وتتوعدهم بالطرد من رحمة الله ، وبالبعد عن رضوانه ومحبته.
ثم بين ـ سبحانه ـ بعد ذلك أن الكافرين لن ينجوا من عقابه ، وبشر المؤمنين بالنصر فقال : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ).
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ٣٢٠.
(٢) تفسير الفخر الرازي ج ١٥ ص ٣٢٠.