ويجتنبوا نواهيهما ، وإلا كانوا كاذبين في دعواهم الإيمان ثم توعدهم ـ سبحانه ـ بسوء المصير بسبب مخالفتهم لله ورسوله فقال :
(أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِداً فِيها ...)
وقوله : (يُحادِدِ) من المحادة بمعنى المخالفة والمجانبة والمعاداة ، مأخوذة من الحد بمعنى الجانب ، كأن كل واحد من المتخاصمين في جانب غير جانب صاحبه. ويقال : حاد فلان فلانا ، إذا صار في غير حده وجهته بأن خالفه وعاداه.
والاستفهام في الآية الكريمة للتوبيخ والتأنيب وإقامة الحجة.
والمعنى : ألم يعلم هؤلاء المنافقون الذين مردوا على الفسوق والعصيان أنه من يخالف تعاليم الله ورسوله ، فجزاؤه نار جهنم يصلاها يوم القيامة خالدا فيها؟! إن كانوا لا يعلمون ذلك ـ على سبيل الفرض ـ فأعلمهم يا محمد بسوء مصيرهم إذا ما استمروا على نفاقهم ومعاداتهم لله ولرسوله.
قال الجمل ما ملخصه : «من» شرطية مبتدأ. وقوله : (فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ) في موضع المبتدأ المحذوف الخبر ، والتقدير. فحق أن له نار جهنم ، أى : فكون نار جهنم له أمر حق ثابت. وهذه الجملة جواب من الشرطية ، والجملة الشرطية ، أى مجموع اسم الشرط وفعله والجزاء خبر أن الأولى ، وهي (أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللهَ وَرَسُولَهُ) وجملة أن الثانية واسمها وخبرها سدت مسد مفعولي يعلم إن لم يكن بمعنى العرفان ، ومسد مفعوله أى الواحد إن كان بمعنى العرفان (١).
واسم الإشارة في قوله : (ذلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ) يعود على ما ذكر من العذاب أى : ذلك الذي ذكرناه من خلودهم في النار يوم القيامة هو الذل العظيم ، الذي يتضاءل أمامه كل خزي وذل في الدنيا.
فأنت ترى أن هاتين الآيتين قد ذكرتا جانبا من رذائل المنافقين وأكاذيبهم ، وتوعدتا كل مخالف لأوامر الله ورسوله بسوء المصير.
ثم واصلت السورة حملتها على المنافقين ، فكشفت عن خباياهم ، وهتكت أستارهم ، وأبطلت معاذيرهم ، وتوعدتهم بسوء المصير فقال ـ تعالى ـ :
__________________
(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٢ ص ٢٩٥.