وهذا بيان لعذر من خاف المؤاخذة بالاستغفار للمشركين قبل ورود النهى عنه. وفي هذه الآية شديدة ما ينبغي أن يغفل عنها : وهي أن المهدى للإسلام إذا أقدم على بعض محظورات الله صار داخلا في حكم الإضلال» (١).
وقال صاحب المنار : أخرج ابن المنذر أن عبد الله بن مسعود كان يخطب أصحابه كل عشية خميس ثم يقول : فمن استطاع منكم أن يغدو عالما أو متعلما فليفعل ، ولا يغدو لسوى ذلك ، فإن العالم والمتعلم شريكان في الخير. أيها الناس : إنى والله لا أخاف عليكم أن تؤخذوا بما لم يبين لكم ، وقد قال ـ تعالى ـ (وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ ..) (٢).
وقوله : (إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) تعليل لما قبله ، أى إن الله ـ تعالى ـ عليم بكل شيء ، ولا يخفى عليه شيء من أقوال الناس وأفعالهم ، وسيحاسبهم يوم القيامة على ذلك ، وسيجازى الذين أساؤوا بما عملوا ، ويجازى الذين أحسنوا بالحسنى.
ثم ختم ـ سبحانه ـ هذه الآيات ببيان أنه ـ سبحانه ـ هو المالك لكل شيء ، والخالق لكل شيء ، فقال : (إِنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ).
أى : إن الله ـ تعالى ـ هو المالك للسموات والأرض وما بينهما ، ولا شريك له في خلقهما ، ولا في تدبير شئونهما ، وهو ـ سبحانه ـ الذي يحيى من يريد إحياءه ، ويميت من يريد إماتته ، لا راد لقضائه ، ولا معقب لحكمه.
(وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) أى : وليس لكم ـ أيها الناس ـ أحد سوى الله يتولى أمركم وينصركم على أعدائكم.
وبذلك نرى أن هذه الآيات الكريمة قد نهت المؤمنين عن الاستغفار للمشركين المصرين على شركهم ، كما بشرتهم بأنه ـ سبحانه ـ لا يؤاخذهم على استغفارهم لهم قبل نهيهم عن ذلك. كما أخبرتهم بأن ملك هذا الكون إنما هو لله وحده ، فعليهم أن يستجيبوا لأمره ، لكي ينالوا رحمته ورضاه.
ثم ذكر ـ سبحانه ـ جانبا من مظاهر فضله على عباده المؤمنين ، حيث تقبل توبتهم ، وتجاوز عن زلاتهم ، فقال ـ تعالى ـ :
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٢ ص ١١٦.
(٢) تفسير المنار ج ٢ ص ٣١٦.