الجهد ، أصابهم فيها تعب شديد ، حتى لقد ذكر لنا أن الرجلين كانا يشقان التمرة بينهما (١).
وقال الحسن : كان العشرة منهم يعتقبون بعيرا واحدا ، يركب الرجل منهم ساعة ثم ينزل فيركب صاحبه كذلك ، وكان النفر منهم يخرجون وليس معهم إلا التمرات اليسيرة فإذا بلغ الجوع من أحدهم أخذ التمرة فلاكها حتى يجد طعمها ، ثم يشرب عليها جرعة من الماء .. ومضوا مع النبي صلىاللهعليهوسلم على صدقهم ويقينهم ـ رضى الله عنهم (٢).
وقوله : (مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ) بيان لتناهى الشدة ، وبلوغها الغاية القصوى.
أى : تاب ـ سبحانه ـ على الذين اتبعوا رسوله من المهاجرين والأنصار ، من بعد أن أشرف فريق منهم على الميل عن التخلف عن الخروج إلى غزوة تبوك ، لما لابسها وصاحبها من عسر وشدة وتعب.
وفي ذكر «فريق منهم» إشارة إلى أن معظم المهاجرين والأنصار ، مضوا معه صلىاللهعليهوسلم إلى تبوك دون أن تؤثر هذه الشدائد في قوة إيمانهم وصدق يقينهم ، ومضاء عزيمتهم ، وشدة إخلاصهم.
قال الآلوسى ما ملخصه : وفي «كاد» ضمير الشأن و «قلوب» فاعل «يزيغ» والجملة في موضع الخبر لكاد .. وهذا على قراءة «يزيع» بالياء ، وهي قراءة حمزة ، وحفص ، والأعمش. وأما على قراءة «تزيغ» بالتاء ، وهي قراءة الباقين. فيحتمل أن يكون «قلوب» اسم كاد «وتزيغ» خبرها ، وفيه ضمير يعود على اسمها» (٣).
وقوله : (ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) تذييل مؤكد لقبول التوبة ولعظيم فضل الله عليهم. ولطفه بهم.
أى : ثم تاب عليهم ـ سبحانه ـ بعد أن كابدوا ما كابدوا من العسر والمشقة ومجاهدة النفس. إنه بهم رءوف رحيم.
قال بعضهم : فإن قلت : قد ذكر التوبة أولا ثم ذكرها ثانيا فما فائدة التكرار؟
قلت : إنه ـ سبحانه ـ ذكر التوبة أولا قبل ذكر الذنب تفضلا منه وتطييبا لقلوبهم ، ثم ذكر الذنب بعد ذلك وأردفه بذكر التوبة مرة أخرى ، تعظيما لشأنهم ، وليعلموا أنه ـ تعالى ـ قد قبل توبتهم ، وعفا عنهم ، ثم أتبعه بقوله ـ سبحانه ـ (إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) تأكيدا
__________________
(١) راجع تفسير ابن كثير ج ٢ ص ٣٩٦.
(٢) حاشية الجمل على الجلالين ج ٢ ص ٣٢٤.
(٣) راجع تفسير الآلوسى ج ١١ ص ٤٠.