ووديعة بن ثابت وغيرهم ، قالوا مالا ينبغي في حقه صلىاللهعليهوسلم.
فقال رجل منهم لا تفعلوا فإنا نخاف أن يبلغ محمدا ما تقولونه فيقع فينا. فقال الجلاس : بل نقول ما شئنا ، ثم نأتيه فيصدقنا بما نقول فإن محمدا أذن (١).
فمرادهم بقولهم «هو أذن» أى : كثير الاستماع والتصديق لكل ما يقال له.
قال صاحب الكشاف : الأذن : الرجل الذي يصدق كل ما يسمع ، ويقبل قول كل أحد ، سمى بالجارحة التي هي آلة السماع كأن جملته أذن سامعة ونظيره قولهم للربيئة ـ أى الطليعة ـ عين» (٢).
وقال بعضهم : «الأذن» الرجل المستمع القابل لما يقال له. وصفوا به الذكر والأنثى والواحد والجمع. فيقال : رجل أذن ، وامرأة أذن ورجال ونساء أذن ، فلا يثنى ولا يجمع. إنما سموه باسم العضو تهويلا وتشنيعا فهو مجاز مرسل أطلق فيه الجزء على الكل مبالغة بجعل جملته ـ لفرط استماعه ـ آلة السماع ، كما سمى الجاسوس عينا لذلك» (٣).
والمعنى : ومن هؤلاء المنافقين قوم يؤذون النبي صلىاللهعليهوسلم فيقولون عنه أنه كثير السماع والتصديق لكل ما يقال له بدون تمييز بين الحق والباطل.
وقوله : (قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ) رد عليهم بما يخرس ألسنتهم ويكبت أنفسهم وهو من قبيل إضافة الموصوف إلى الصفة على سبيل المبالغة في المدح كقولهم رجل صدق أى قد بلغ النهاية في الصدق والاستقامة.
والمعنى : قل لهم يا محمد على سبيل التوبيخ والتبكيت : سلمنا. كما تزعمون. أنى كثير السماع والتصديق لما يقال ، لكن هذه الكثرة ليست للشر والخير بدون تمييز وإنما هي للخير ولما وافق الشرع فحسب.
ويجوز أن تكون الإضافة فيه على معنى «في» ، أى هو أذن في الخير والحق ، وليس بأذن في غير ذلك من وجوه الباطل والشر.
وهذه الجملة الكريمة من أسمى الأساليب وأحكمها في الرد على المرجفين والفاسقين ، لأنه ـ سبحانه ـ صدقهم في كونه صلىاللهعليهوسلم أذنا ، وذلك بما هو مدح له ، حيث وصفه بأنه أذن خير لا شر.
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١٠ ص ١٢٥.
(٢) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٢٨٤.
(٣) تفسير القاسمى ج ٨ ص ٣١٨٦.