من وراء جهادهم فعليهم ألا يجعلوها ضمن غايتهم السامية من جهادهم ، وأن يفوضوا الأمر فيها لله ورسوله عن إذعان وتسليم.
وبعض العلماء يرى أن السؤال للاستعطاء ، وأن المراد بالأنفال ما شرط للغازى زيادة على سهمه ، وأن حرف «عن» زائد ، أو هو بمعنى من ، فيكون المعنى : يسألك بعض أصحابك يا محمد إعطاءهم الأنفال التي وعدتهم بها زيادة على سهامهم فيها. قل لهم : الأنفال لله ولرسوله.
والذي نراه أن الرأى الأول أرجح وذلك لأمور منها :
١ ـ بعض الروايات التي وردت في أسباب نزول هذه الآية تؤيده تأييدا صريحا ، ومن ذلك ما سبق أن ذكرناه عن عبادة بن الصامت أنه قال : «فينا معشر أصحاب بدر نزلت ، حين اختلفنا في النفل ، وساءت فيه أخلاقنا ، فنزعه الله من أيدينا. فجعله إلى الرسول صلىاللهعليهوسلم فقسمه بين المسلمين عن بواء».
٢ ـ ولأن غزوة بدر كانت أول غزوة لها شأنها وأثرها بين المسلمين والكافرين ، وكانت غنائمها الضخمة التي ظفر بها المؤمنون من المشركين ، حافزا لسؤال بعض المؤمنين رسولهم صلىاللهعليهوسلم عن حكمها وعن المستحق لها.
٣ ـ ولأن الجواب عن السؤال بقوله ـ تعالى ـ : (قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ) يؤيد أن السؤال إنما هو عن حكم الأنفال وعن مصرفها ، إذ أن هذا الجواب يفيد أن اختصاص أمرها وحكمها مرجعه إلى الله ورسوله دون تدخل أحد سواهما.
ولو كان السؤال للاستعطاء لما كان هذا جوابا له ، فإن اختصاص حكم ما شرط لهم بالله والرسول لا ينافي إعطاءه إياهم بل يحققه ، لأنهم إنما يسألونه بموجب شرطه لهم الصادر عنه بإذن الله ـ تعالى ـ لا بحكم سبق أيديهم إليه أو نحو ذلك مما يخل بالاختصاص المذكور» (١).
٤ ـ ولأن قوله ـ تعالى ـ بعد ذلك «فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم .. إلخ» يؤيد أن السؤال عن حكم الأنفال ومصرفها بعد أن تنازعوا في شأنها ، فهو ـ سبحانه ـ ينهاهم عن هذا التنازع ، ويأمرهم بأن يصونوا أنفسهم عن كل ما يغضب الله ... ولو كان السؤال للاستعطاء ـ بناء على ما شرطه الرسول صلىاللهعليهوسلم لبعضهم زيادة على سهامهم ـ لما كان هناك محذور يجب اتقاؤه ، لأنهم لم يطلبوا من الرسول إلا ما وعدهم به وهذا لا محظور فيه.
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٩ ص ١٦١.