جاءهم بالحق ، ولقد حكى الله عنهم نفاقهم وضلالهم وانغماسهم في الآثام في آيات كثيرة ، ومن ذلك قوله ـ تعالى ـ : (وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قالَ سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ) (١).
ولقد وصف الله ـ تعالى ـ قوم فرعون بهوان الشخصية ، وتفاهة العقل ، والخروج عن كل مكرمة فقال : (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ) (٢) وذلك لأن الأمة التي تترك الظالم وبطانته يعيثون في الأرض فسادا ، لا تستحق الحياة ، ولا يكون مصيرها إلا إلى التعاسة والخسران.
وقوله (كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ) تفسير لصنيعهم الباطل ، ودأبهم على الفساد والضلال.
والمراد بآيات الله : ما يعم المتلوة في كتب الله ـ تعالى ـ ، والبراهين والمعجزات الدالة على صدق الأنبياء فيما يبلغونه عن ربهم.
وفي إضافتها إلى الله : تعظيم لها وتشريف ، وتنبيه إلى قوة دلالتها على الحق والخير.
وقوله : (فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ) معطوف على قوله (كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ) لبيان ما ترتب على كفرهم من عقوبات أليمة.
وفي التعبير بالأخذ إشارة إلى شدة العذاب ، فهو ـ سبحانه ـ قد أخذهم كما يؤخذ الأسير الذي لا يستطيع الفكاك من آسره.
والباء في قوله : (بِذُنُوبِهِمْ) للسببية أى كفروا بآيات الله فعاقبهم ـ سبحانه ـ بسبب كفرهم وفسوقهم عن أمره.
ويجوز أن تكون للملابسة ، أى : أخذهم وهم ملتبسون بذنوبهم دون أن يثوبوا منها ، أو يقلعوا عنها.
وعلى الوجهين فالجملة الكريمة تدل على كمال عدل الله ـ تعالى ـ لأنه ما عاقبهم إلا لأنهم استحقوا العقاب.
والمراد بذنوبهم : كفرهم وما ترتب عليه من فسوق وعصيان ، وأصل الذنب : الأخذ بذنب الشيء أى بمؤخرته ، ثم أطلق على الجريمة ، لأن مرتكبها يعاقب بعدها.
وقوله : (إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ) تذييل مقرر لمضمون ما قبله من الأخذ الشديد ، بسبب الكفر والمعاصي.
__________________
(١) سورة الأعراف الآية ١٢٧.
(٢) سورة الزخرف الآية ٥٤.