٥ ـ مناسبتها لما قبلها :
وقد جرت عادة بعض المفسرين أن يعقدوا مناسبة بين السورة وبين سابقتها ، ولعل أكثرهم توسعا في ذلك الإمام الآلوسى فقد قال : «ووجه مناسبتها لآخر المائدة أنها افتتحت بالحمد والمائدة اختتمت بفصل القضاء وهما متلازمان ، كما قال ـ سبحانه ـ (وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (١).
وقال الجلال السيوطي في وجه المناسبة : «إنه ـ تعالى ـ لما ذكر في آخر المائدة (لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما فِيهِنَ) على سبيل الإجمال ، افتتح ـ جل شأنه ـ هذه السورة بشرح ذلك وتفصيله ، فبدأ ـ سبحانه ـ بذكر خلق السموات والأرض ، وضم ـ تعالى ـ إليه أنه جعل الظلمات والنور ، وهو بعض ما تضمنه ما فيهن ، ثم ذكر أنه خلق النوع الإنسان وقضى له أجلا وجعل له أجلا آخر للبعث ، وأنه ـ جل جلاله ـ منشئ القرون قرنا بعد قرن ، ثم قال ـ تعالى ـ (قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) إلخ. فأثبت له ملك جميع المظروفات لظرف المكان. ثم قال (وَلَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) فأثبت أنه ملك جميع المظروفات لظرف الزمان ، ثم ذكر ـ سبحانه ـ خلق سائر الحيوان من الدواب والطير ، ثم خلق النوم واليقظة والموت ، ثم أكثر في أثناء السورة من ذكر الإنشاء والخلق لما فيهن من النيرين والنجوم وفلق الإصباح وفلق الحب والنوى ، وإنزال الماء وإخراج النبات والثمار بأنواعها ، وإنشاء جنات معروشات وغير معروشات إلى غير ذلك مما فيه تفصيل ما فيهن».
هذا ، وقد عقد فضيلة الشيخ محمود شلتوت ـ رحمهالله ـ مقارنة ضافية بين سورة الأنعام وبين ما سبقها من سور مدنية فقال ما ملخصه :
وأما السور الأربع المدنية التالية لسورة الفاتحة ـ والسابقة لسورة الأنعام ـ وهي سور : البقرة ، آل عمران ، النساء ، المائدة ، فهي بحكم مدنيتها تشترك كلها في هدف واحد وهو تنظيم شئون المسلمين بالتشريع لهم باعتبارهم أمة مستقلة ، وبإرشادهم إلى مناقشة أهل جوارهم فيما يتصل بالعقيدة والأحكام ، وإلى الأساس الذي يرجعون إليه ويحكمونه في التعامل معهم في حالتي السلم والحرب ، وقلما تعرض هذه السور المدنية إلى شيء من شئون الشرك ومناقشة المشركين.
وهذه السور مع اشتراكها في أصل الهدف العام ، تختلف قلة وكثرة فيما تتناوله من التشريع الداخلى الخاص بالمسلمين ، والتشريع الخارجي الذي يرتبط بهم مع من يخالفهم في الدين.
__________________
(١) تفسير الآلوسي ج ٨ ص ٧٦ طبعة منير الدمشقي.