عليهم كل شيء فوجا فوجا ونوعا نوعا من سائر المخلوقات ليشهدوا بصدقك.
وجملة (ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) جواب لو.
أى : لو فعلنا لهم كل ذلك ما كانوا ليؤمنوا في حال من الأحوال بسبب غلوهم في التمرد والعصيان ، إلا في حال مشيئة الله إيمانهم فيؤمنوا ، لأنه ـ سبحانه ـ هو القادر على كل شيء.
وقوله (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ).
أى : ولكن أكثر هؤلاء المشركين يجهلون أنهم لو أوتوا كل آية لم يؤمنوا فهم لذلك يحلفون الأيمان المغلظة بأنهم لو جاءتهم آية ليؤمنن بها. أو يجهلون أن الإيمان بمشيئة الله لا بخوارق العادات.
وقيل الضمير يعود على المؤمنين فيكون المعنى. ولكن أكثر المؤمنين يجهلون عدم إيمان أولئك المشركين عند مجيء الآيات لجهلهم عدم مشيئة الله ـ تعالى ـ لإيمانهم ، فيتمنون مجيء الآيات طمعا في إيمانهم.
قال الشيخ القاسمى : في قوله (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) حجة واضحة على المعتزلة لدلالته على أن جميع الأشياء بمشيئة الله ـ تعالى ـ حتى الإيمان والكفر. وقد اتفق سلف هذه الأمة وحملة شريعتها على أنه «ما شاء الله كان وما لم يشأ لهم يكن». والمعتزلة يقولون «إلا أن يشاء الله مشيئة قسر وإكراه» (١).
ثم سلى الله ـ تعالى ـ نبيه عن تعنت المشركين وتماديهم في الباطل ببيان أن كل نبي كان له أعداء يسيئون إليه ويقفون عقبة في طريق دعوته فقال :
(وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِ).
والمعنى : ومثل ما جعلنا لك يا محمد أعداء يخالفونك ويعاندونك جعلنا لكل نبي من قبلك ـ أيضا ـ أعداء ، فلا يحزنك ذلك ، قال ـ تعالى ـ (ما يُقالُ لَكَ إِلَّا ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقابٍ أَلِيمٍ) (٢).
وقال ـ تعالى ـ (وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً وَنَصِيراً) (٣).
والمراد بشياطين الإنس والجن ، والمردة من النوعين. والشيطان : كل عات متمرد من الإنس والجن.
__________________
(١) تفسير للقاسمى ج ٧ ص ٢٤٧١.
(٢) سورة فصلت الآية ٤٣.
(٣) سورة الفرقان الآية : ٣١.