وعطفت جملة (فَلَنَسْئَلَنَ) على ما قبلها بالفاء ، لأن هذا السؤال سيكون في الآخرة ، وما ذكر قبل ذلك من عقوبات هو آخر أمرهم في الدنيا. فالآية الكريمة بيان لعذابهم الأخروى إثر بيان عذابهم الدنيوي.
وأكد الخبر بلام القسم ونون التوكيد ، لأن المخاطبين كانوا ينكرون البعث والجزاء.
فإن قيل : قد أخبر الله عنهم قبل ذلك أنهم قالوا عند نزول العذاب بهم (إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ) فلما ذا يسألون يوم القيامة مع أنهم اعترفوا بظلمهم في الدنيا؟
فالجواب : أنهم لما اعترفوا سئلوا بعد ذلك عن سبب هذا الظلم ، والمقصود من هذا السؤال تقريعهم وتوبيخهم لكفرهم وعنادهم.
فإن قيل : فما فائدة سؤال الرسل مع العلم بأنهم قد بلغوا الأمانة ونصحوا للأمة؟
فالجواب من فوائده الرد على من أنكر من المشركين أن الرسل قد بلغوهم ، فقد حكى القرآن أن بعضهم قال : (ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ) ومن فوائده ـ أيضا ـ مضاعفة الثواب لهؤلاء الرسل الكرام حيث إنهم قد بذلوا قصارى جهدهم في التبشير والإنذار ، ولم يصدر عنهم تقصير قط. فسؤال المرسل إليهم إنما هو سؤال توبيخ وإفضاح ، وسؤال المرسلين إنما هو سؤال استشهاد بهم وإفصاح.
فإن قيل : هناك بعض الآيات تثبت أن المجرمين لن يسألوا يوم القيامة كما في قوله تعالى : (وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ) وكما في قوله تعالى : (فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌ) فكيف نجمع بين هذه الآيات التي تنفى السؤال والآيات التي تثبته كما في قوله : (فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ)؟
فالجواب ، أن في يوم القيامة مواقف متعددة ، فقد يسألون في موقف الحساب ولا يسألون في موقف العقاب. أو أن المراد بالسؤال في قوله : (فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ) التوبيخ والتقريع. والمنفي في قوله : (فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ) سؤال الاستعلام ، أى أن المذنب لا يسأل يوم القيامة هل أذنبت أولا ، لأن الله لا تخفى عليه خافية ، وإنما يسأل : لم فعلت كذا؟ بعد أن يعرفه ـ سبحانه ـ بما فعله ، ويؤيد هذا القول قوله ـ تعالى ـ : (فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَما كُنَّا غائِبِينَ) أى : فلنخبرنهم بما فعلوا إخبارا ناشئا عن علم منا.
قال بعض العلماء : «والذي يهمنا هنا ، أن نقرر أن هذا السؤال لم يكن سؤال استفهام ولا استخبار ، وإنما هو سؤال تبكيت وتنديد ، فليس في السائل مظنة أن يجهل ، ولا في المسئول مظنة أن ينكر : ، وهو تصوير لما يكون من شعور المكذبين بتكذيبهم ، وشعور المرسلين بتبليغهم ، وهو نوع من تسجيل الحجة على من أنكرها وأعرض عنها في الوقت الذي كان يجديه