والثانية : ذم لهم وتخطئة لرأيهم ووصف لقلة نظرهم لأنفسهم وأنهم قوم غرتهم الحياة الدنيا واللذات الحاضرة وكانت عاقبة أمرهم إن اضطروا إلى الشهادة على أنفسهم بالكفر ، والاستسلام لربهم ، وإنما قال ذلك تحذيرا للسامعين من مثل حالهم» (١).
هذا ، وإنك لتقرأ هذه الآية الكريمة وغيرها من الآيات التي تصور مشهدا من مشاهد يوم القيامة فيخيل إليك أنك أمام مشهد حاضر أمام عينيك ترى فيه الظالمين وحسراتهم ، والضالين والمضلين وهم يتبادلون التهم وذلك من إعجاز القرآن الكريم وأنه من عند الله ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا.
ثم يحدثنا القرآن بعد ذلك عن عدالة الله في أحكامه ، وعن سعة غناه ورحمته ، وعن حسن عاقبة المؤمنين ، وسوء مصير الكافرين فيقول :
(ذلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها غافِلُونَ (١٣١) وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (١٣٢) وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ ما يَشاءُ كَما أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ (١٣٣) إِنَّ ما تُوعَدُونَ لَآتٍ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (١٣٤) قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) (١٣٥)
قال الآلوسى : «ذلك» إشارة إلى إتيان الرسل ، أو السؤال المفهوم من (أَلَمْ يَأْتِكُمْ) ، أو ما قص من أمرهم ، أعنى شهادتهم على أنفسهم بالكفر وهو إما مرفوع على أنه خبر مبتدأ مقدر أى : الأمر ذلك ، أو مبتدأ خبره مقدر ، أو خبره قوله ـ سبحانه ـ (أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٦٦.