ثم ذكر ـ سبحانه ـ فضائل من يتصل بهؤلاء الأنبياء الكرام فقال :
(وَمِنْ آبائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوانِهِمْ) أى : ومن آباء هؤلاء الأنبياء وذرياتهم وإخوانهم من هديناه إلى الطريق المستقيم فمن هنا للتبعيض.
والجملة معطوفة على (كلًّا) أى : كلا من هؤلاء الأنبياء فضلنا ، وفضلنا بعض آبائهم وأبنائهم وإخوانهم وهديناه.
وجملة (وَاجْتَبَيْناهُمْ وَهَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) معطوفة على (فَضَّلْنا) أى : فضلنا هؤلاء الأنبياء واخترناهم وهديناهم إلى الطريق الواضح. قال الراغب : «والاجتباء الجمع على طريق الاصطفاء قال ـ تعالى ـ (فَاجْتَباهُ رَبُّهُ) واجتباء العبد تخصيصه إياه بفيض إلهى يتحصل له منه أنواع من النعم بلا سعى من العبد وذلك للأنبياء وبعض من يقاربهم من الصديقين والشهداء» (١).
وقوله : (ذلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) أى : ذلك الهدى إلى صراط مستقيم الذي اهتدى إليه أولئك الأخيار هو هدى الله الذي يهدى به من يشاء هدايته من عباده وهم المستعدون لذلك.
وفي قوله : (مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) من الإبهام ما يبعث النفوس على طلب هدى الله ـ تعالى ـ والتعرض لنفحاته.
وقوله (وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) أى ، ولو فرض أن أشرك بالله أولئك المهديون المختارون لبطل وسقط عنهم ثواب ما كانوا يعملونه من أعمال صالحة فكيف بغيرهم.
قال ابن كثير : في هذه الآية تشديد لأمر الشرك وتغليظ لشأنه ، وتعظيم لملابسته ، كقوله ـ تعالى ـ (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) والشرط لا يقتضى جواز الوقوع ، فهو كقوله ، (قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ) وكقوله : (لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ) (٢).
وقوله (أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ) اسم الإشارة فيه يعود إلى المذكورين من الأنبياء الثمانية عشرة والمعطوفين عليهم باعتبار اتصافهم بما ذكر من الهداية وغيرها من النعوت الجليلة.
__________________
(١) مفردات القرآن ج ٨٧ للراغب الأصفهاني.
(٢) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ١٥٥.