من الحفظ الذاتي ، لأنّ الحكم المجعول ، هو بحسب الحقيقة ، تابع لموضوعه الذي جعل عليه هذا الحكم ، فكلّما انطبق موضعه على مورد ، ثبت الحكم في ذلك المورد ، وانطباق الموضوع على مورد فرع كون ذلك الموضوع مقيّدا بذلك المورد ، أو مطلقا ، لم تؤخذ فيه خصوصيّة عدم ذلك المورد ، إذن فالحكم المجعول من ناحية أنه هل يثبت في مورد ، أو لا يثبت في مورد ، ليس له نظر ، وليس له حول أو قوة ، دائما هو تابع في ثبوته لانطباق موضوعه ، وثبوته لموضوعه فرع الإطلاق والتقييد ، وأمّا أنّ الحكم بذاته يتعرض للعصيان والامتثال ، فهو صحيح. فإن الحكم بذاته ، يحرّك نحو الفعل ، أي : نحو متعلقه ، ويطرد تركه ذاتا.
إلّا أنّ هذا التحريك والتقريب نحو متعلقه ، وطرد وهدم تركه ذاتا ، هو فرع وجوده في نفسه ، ووجوده حين يوجد تابع لموضوعه لا محالة ، إذ كلّما انطبق موضوعه وجد ، وموضوعه إنّما ينطبق على حالة ، إذا كان مقيّدا بها ، أو مطلقا من ناحيتها لا محالة.
أو فقل : إنّ الحكم يحرك نحو متعلقه ، ويهدم تركه ذاتا ، إلّا أنّ هذا التحريك فرع ثبوته ، وثبوته أول الكلام ، إذ إنّنا نتكلم فيما يحفظ ثبوته.
إذن ففرق بين النحوين من التعرض ، بين كون الحكم المجعول متعرضا للفعل والترك ، بمعنى كونه مقرّبا نحو أحدهما ومبعدا عن الآخر ، وبين كونه بذاته متعرضا إلى حفظ وجوده في حالتي الامتثال والعصيان.
فإن كان المراد هو النحو الأول من التعرّض ، فهو صحيح ، لكنّه ليس بمفيد ، إذ كلامنا في أنه كيف يحفظ وجوده في نفسه ، إذ إنّ تعرّضه فرع ثبوته أولا ، وكلامنا في ما يحفظ وجوده وثبوته.
وإنّ كان المراد من التعرض أنه بذاته يتعرض إلى حفظ وجوده في حالتي الامتثال والعصيان ، فهذا أمر غير معقول ، وكونه مقربا ومبعّدا بذاته ، هذا لا يكون دليلا على أنه يكون حافظا لذاته.