سبحانه عليها لما بدرت منه تلك الامور التي هي غير محبوبة.
ويقال الوجل على حسب تجلي الحق للقلب ، فان القلوب في حالة المطالعة والتجلي تكون بوصف الوجل والهيبة. ويقال : وجل له سبب ، ووجل بلا سبب ، فالاول مخافة من تقصير ، والثاني معدود من جملة الهيبة. فالخوف اذن أدنى منزلة من الهيبة.
والوجل يأتي من الداخل ، ويثور في الاعماق ، وليس الوجل بالمظاهر الخارجية ، ولذلك لاحظ بعض الناس على الحسن أنه يظل في مواطن الذكر أو التأثر ساكتا ، فسأله عن ذلك فقال الحسن : «وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ»!! ..
ولذلك يفرق القرطبي بين الوجل الصادق والتظاهر بالوجل ، فنراه بعد أن يصور حال الخائفين الوجلين يعرّض بالمتظاهرين المتكلفين فيقول : «فهذه حال العارفين بالله ، الخائفين من سطوته وعقوبته ، لا كما يفعله جهّال العوام والمبتدعة الطّغام (الارذال) من الزعيق والزئير ، ومن النهاق الذي يشبه نهيق الحمير ، فيقال لمن تعاطى ذلك ، وزعم أن ذلك وجد وخشوع : لم تبلغ أن تساوي حال الرسول ولا حال أصحابه في المعرفة بالله ، والخوف منه ، والتعظيم لجلاله ، ومع ذلك فقد كانت حالهم عند المواعظ الفهم عن الله ، والبكاء خوفا من الله ، ولذلك وصف الله أحوال المعرفة عند سماع ذكره وتلاوة كتابه فقال :
«وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ»(١).
__________________
(١) سورة المائدة ، الآية ٨٣.