فهذا وصف حالهم وحكاية مقالهم ، ومن لم يكن كذلك فليس على هديهم ولا على طريقتهم ، فمن كان مستنا فليستنّ ، ومن تعاطى أحوال المجانين والجنون فهو من أخسهم حالا ، والجنون فنون.
روى مسلم عن أنس بن مالك أن الناس سألوا النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم حتى أحفوه (أكثروا عليه) في المسألة. فخرج ذات يوم فصعد المنبر فقال : سلوني ، لا تسألوني عن شيء الا بينته لكم ما دمت في مقامي هذا.
فلما سمع ذلك القوم أرمّوا (سكتوا) ورهبوا أن يكون بين يدي أمر قد حضر.
قال أنس : فجعلت ألتفت يمينا وشمالا ، فاذا كل انسان لافّ رأسه في ثوبه يبكي. وذكر الحديث.
وروى الترمذي وصححه عن العرباض بن سارية قال : وعظنا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب. الحديث. ولم يقل : زعقنا ولا رقصنا ولا زفنّا (ضربنا بالأرجل) ولا قمنا».
ولقد قالت السيدة عائشة رضي الله عنها : «ما الوجل في القلب الا كضرمة السّعفة (كاحتراق جريدة النخل) فاذا وجل أحدكم فليدع عند ذلك». وهذا يشير الى أن الوجل الصادق هو مفتاح الاستجابة للدعاء. قال العلماء : والسعفة واحدة جريد النخل ، اذا احترق يسمع له صوت ونشيش. وقد شبهت به السيدة عائشة شعور الوجل الذي يلم بالقلب عند ذكر فيخفق له.
ولا ذكر يشعل سعفة الوجل في قلب المؤمن كتلاوة القرآن الكريم والتدبر في آياته :